البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ٣٣
ولي الجناية، فإن كانت الجناية توجب القصاص بأن قتلت نفسا عمدا فلا حد عليه وعليه العقر لأن من العلماء من قال يملكها في هذه الصورة فأورث شبهة، وإن كانت الجناية لا توجب القصاص فإن فداها المولى يجب عليه الحد بالاتفاق لأن الزاني لم يملك الجثة، وإن دفعها بالجناية فعلى الخلاف. وفي الفوائد الظهيرية: لو غصبها ثم زنى بها ثم ضمن قيمتها فلا حد عليه عندهم جميعا خلافا للشافعي، أما لو زنا بها ثم غصبها وضمن قيمتها لم يسقط الحد. وفي جامع قاضيخان: لو زنى بحرة ثم نكحها لا يسقط الحد بالاتفاق قوله: (والخليفة يؤخذ بالقصاص والأموال لا بالحد) لأن الأول حقوق العباد لما أن حق استيفائها لمن له الحق فيكون الإمام فيه كغيره وإن احتاج إلى المنعة فالمسلمون منعته فيقدر بهم على الاستيفاء فكان الوجوب مفيدا، وبهذا يعلم أنه يجوز استيفاء القصاص بدون قضاء القاضي والقضاء لتمكين الولي من استيفائه لا أنه شرط كما صرحوا به. وأما الثاني - أعني الحدود - فإنما لا تقام عليه لأن الحد حق الله تعالى والإمام هو المكلف بإقامته وتعذر إقامته على نفسه لأن إقامته بطريق الجزاء والنكال ولا يفعل ذلك أحد بنفسه ولا ولاية لاحد عليه ليستوفيه وفائدة الايجاب الاستيفاء فإذا تعذر لم يجب، وفعل نائبه كفعله لأنه بأمره. أطلق في الحد فشمل حد القذف لأن المغلب فيه حق الشرع فكان كبقية الحدود. والمراد بالخليفة الإمام الذي ليس فوقه إمام، وقيد به احترازا عن أمير البلدة فإنه يقام عليه الحدود بأمر الإمام والله أعلم.
باب الشهادة على الزنا والرجوع عنها قوله: (شهدوا بحد متقادم سوى حد القذف لم يحد) أي شهدوا بسبب حد وهو الزنا أو السرقة أو شرب الخمر لا بنفس الحد، وكذلك قوله متقادم معناه متقادم سببه. والأصل أن الحدود الخالصة حقا لله تعالى تبطل بالتقادم لأن الشاهد مخير بين حسبتين أداء الشهادة والستر، فالتأخير إن كان لاختيار الستر فالاقدام على الأداء بعد ذلك لضغينة هيجته أو لعداوة حركته فيتهم فيها، وإن كان التأخير لا للستر يصير فاسقا آثما فتيقنا بالمانع بخلاف التقادم في حد القذف لأن فيه حق العباد لما فيه من دفع العار عنه ولهذا لا يصح رجوعه بعد الاقرار
(٣٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 28 29 30 31 32 33 34 35 36 37 38 ... » »»
الفهرست