البحر الرائق - ابن نجيم المصري - ج ٥ - الصفحة ١٢٨
الذراري فلعلهم يجيبون فنكفي مؤنة القتال، ولو قاتلهم قبل الدعوة أثم للنهي ولا غرامة لعدم العاصم وهو الدين أو الاحراز بالدار فصار كقتل النسوان والصبيان. أطلق الدعوة فشمل الحقيقية والحكمية، فالحقيقية باللسان، والحكمية انتشار الدعوة شرقا وغربا أنهم إلى ماذا يدعون وعلى ماذا يقاتلون فأقيم ظهورها مقامها، وقد نص محمد عليه في السير الكبير فقال: وإذا لقي المسلمون المشركين فإن كان المشركون قوما لم يبلغهم الاسلام لا حقيقة ولا حكما فلا ينبغي لهم أن يقاتلوهم حتى يدعوهم إلى الاسلام، وفي فتح القدير: ولا شك أن في بلاد الله تعالى من لا شعور له لهذا الامر فيجب أن المراد غلبة ظن أن هؤلاء لم تبلغهم الدعوة. وفي التتارخانية: وإن كانوا قوما قد تبلغهم الاسلام إن أنهم لا يدرون أيقبل المسلمون الجزية أم لا فلا ينبغي لهم أن يقاتلوهم حتى يدعوهم إلى الجزية اه‍ قوله: (وندعو ندبا من بلغته) أي الدعوة مبالغة في الانذار ولا يجب ذلك لأنه صح أن النبي صلى الله عليه وسلم أغار على بني المصطلق وهم غارون وعهد إلى أسامة أن يغير على أبنى صباحا ثم يحرق، والغارة لا تكون بدعوة. وابنى بوزن حبلى موضع بالشام. أطلق في الاستحباب وهو مقيد بأن لا يتضمن ضررا بأن يعلم أنهم بالدعوة يستعدون أو يحتالون أو يتحصنون وغلبة الظن في ذلك بما يظهر من أحوالهم كالعلم، كذا في فتح القدير.
قوله: (وإلا فنستعين عليهم بالله تعالى بنصب المجانيق وحرقهم غرقهم وقطع أشجارهم وإفساد زروعهم ورميهم وإن تترسوا ببعضنا ونقصدهم) أي إن لم يقبلوا الجزية إلى آخره. أما الاستعانة فلانه تعالى هو الناصر لأوليائه والمدمر على أعدائه فيستعان به في كل الأمور، وأما نصب المجانيق فلانه عليه السلام نصبها على الطائف، وأما التحريق ونحوه فلانه عليه السلام أحرق البوبرة أرسلوا عليهم الماء وقطعوا أشجارهم وأفسدوا زروعهم لأن في جميع ذلك إلحاق الغيظ والكبت بهم وكسر شوكتهم وتفريق جمعهم فيكون مشروعا. أطلق في الأشجار فشمل المثمرة وغيرها كما في البدائع. وأطلق في جواز فعل هذه الأشياء وقيده في فتح القدير بما إذا لم يغلب على الظن أنهم مأخوذون بغير ذلك، فإن كان الظاهر أنهم مغلوبون وأن الفتح باد كره ذلك لأنه إفساد في غير محل الحاجة وما أبيح إلا لها. وفي الظهيرية: ولا يستحب رفع الصوت في الحرب من غير أن يكون ذلك مكروها من وجه الدين ولكنه فشل والفشل الجبن، فإن كان فيه منفعة وتحريض للمسلمين فلا بأس به. وعن قيس بن عبادة قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرهون الصوت عند ثلاث: الجنائز والقتال والذكر. والمراد بالذكر الوعظ. وقال الإمام شمس الأئمة السرخسي: ففي هذا الحديث بيان كراهة رفع الصوت عند سماع القرآن والوعظ فتبين به أن ما يفعله الذين يدعون الوجد والمحبة مكروه لا أصل له
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 123 124 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»
الفهرست