واحد منهما غير ملة الآخر كالمسلمين مع النصارى فان المسلمين يقرون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن فكانت ملتم غير ملة النصارى وبه فارقوا أهل الأهواء لأنهم يتفقون على الاقرار بالرسل والكتب وإنما الاختلاف بينهم في تأويل الكتاب والسنة فلا يوجب ذلك اختلافا في الملة فيما بينهم وقد يوجد مثل ذلك فيما بين النصارى كالنسطورية والملكانية واليعقوبية وفيما بين اليهود أيضا كالفرعية والسامرية وغير ذلك وأما ابن أبي ليلى فقال إن اليهود والنصارى اتفقوا على دعوى التوحيد وإنما اختلفت نحلهم في ذلك واتفقوا على الاقرار بنبوة موسى عليه السلام والتوراة بخلاف المجوس فإنهم لا يدعون التوحيد وإنما يدعون الاثنين يزدان وأهرمن ولا يقرون بنبوة موسى ولا بكتاب منزل ولا يوافقهم اليهود والنصارى على ذلك فكانوا أهل ملتين والدليل عليه حل الذبيحة والمناكحة فان اليهود والنصاري في ذلك كشئ واحد بخلاف المجوس وحجتنا في ذلك أن الله تعالى جعل الدين دينين الحق والباطل فقال الله عز وجل لكم دينكم ولى دين وجعل الناس فريقين فقال فريق في الجنة وهم المؤمنون وفريق في السعير وهم الكفار بأجمعهم وجعل الخصم خصمين فقال جل جلاله هذان خصمان اختصموا في ربهم يعنى الكفار أجمع مع المؤمنين والدليل عليه انا نسلم انهم فيما بينهم أهل ملل فيما يعتقون ولكن عند مقابلتهم بالمسلمين أهل ملة واحدة لان المسلمين يقرون برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبالقرآن وهم ينكرون ذلك بأجمعهم وبه كفروا فكانوا في حق المسلمين أهل ملة واحدة في الشرك وان اختلفت نحلهم فيما بينهم وكذلك من يعبد منهم صنما ومن يعيد صنما آخر ويكفر كل واحد منهم صاحبه فهم أهل ملة واحدة وان اختلفت نحلهم فكذلك الكفار بأجمعهم وكانوا في هذا كأهل الأهواء من المسلمين وفى قوله عليه السلام لا يتوارث أهل ملتين إشارة إلى ما بينا فإنه فسر الملتين بقوله لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ففي تنصيصه على الوصف العام في موضع تفسير بيان انهم في حكم التوريث أهل ملة واحدة وحل الذبيحة والمناكحة لا يقوى الاستدلال بها فان المسلمين مع اليهود والنصارى استووا في حكم حل الذبيحة والمناكحة ثم لم يكن دليل على اتفاق الملة بينهم فكذلك اختلاف المجوس مع أهل الكتاب في حل الذبيحة والمناكحة لا يكون دليلا على اختلاف الملة فيما بينهم وكان المعنى فيه أن شرط حل الذبيحة تسمية الله تعالى على الخلوص والكتابي من أهل ذلك لأنهم يظهرون دعوى التوحيد وان كانوا يضمرون في ذلك بعض الشرط فلتحقق وجود الشرط
(٣٢)