للتزين يقصد به منفعة نفسه خاصة وفيما ينفق على المسجد للتزين منفعته ومنفعة غيره فإذا جاز له أن يصرف ماله إلى منفعة نفسه بهذا الطريق فلان يجوز صرفه إلى منفعته ومنفعة غيره كان أولى وقد أمرنا في المساجد بالتعظيم ولا شك ان معنى التعظيم يزداد بالتزيين في قلوب بعض الناس من العوام فيمكن أن يقال بهذا الطريق يؤجر هو على ما فعله وفى الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال يثاب المؤمن على أنفاق ماله في كل شئ ء الا في البنيان زاد في بعض الروايات ما خلا المساجد فان ثبتت هذه الزيادة فهو دليل على أنه يثاب فيما ينفق في بناء المسجد وتزيينه وعلى هذا أمر اللباس فإنه لا بأس للرجل أن يتجمل بلبس أحسن الثياب وأجودها فقد كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة فنك علمها من الحرير فكان يلبسها في الأعياد وللوفود إلا أن الأولى أن يكتفى بما دون ذلك في المعتاد من لبسه على ما روى أن ثوب مهنة رسول الله صلى الله عليه وسلم كان كأنه ثوب دهان وكذلك لا بأس بأن يتسرى بجارية حسناء فإنه صلى الله عليه وسلم مع ما كان عنده من الحرائر تسرى حتى استولد مارية أم إبراهيم رضي الله عنهما وعلي رضي الله عنه مع ما كان عنده من الحرائر كان تسرى حتى استولد أم محمد بن الحنفية رضي الله عنه فعرفنا انه لا بأس بذلك والأصل فيه قوله تعالى قل من حرم زينة الله الآية (وقال ولو أن الناس قنعوا بما دون ذلك وعمدوا إلى الفضول فقدموها لآخرتهم كان خيرا لهم والأصل فيه حديث أبي ذر رضي الله عنه فإنه كان يتعلق بأستار الكعبة في أيام الموسم وينادى بأعلى صوته ألا من عرفني فقد عرفني ومن لم يعرفني فأنا أبو ذر جندب بن عبادة صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وان أحدكم إذا أراد سفرا استعد لسفره فمالكم لا تستعدون لسفر الآخرة وأنتم تتيقنون أنه لابد لكم منه ألا ومن أراد سفرا في الدنيا فان بدا له أن يرجع تمكن وان طلب القرض وجد وان استوهب ربما يوهب له ولا يوجد شئ من ذلك في سفر الآخرة وسئل يحيى ابن معاذ رضي الله عنه مالنا نتيقن بالموت ولا نحبه فقال إنكم أحببتم الدنيا فكرهتم أن تجعلوها خلفكم ولو قدمتم محبوبكم لأحببتم اللحوق به فعرفنا أن الأفضل أن يكتفى من الدنيا بما لا بد منه ويقدم لآخرته ما هو زيادة على ذلك مما اكتسبه ولكنه لو استمتع بشئ من ذلك في الدنيا بعد ما اكتسبه من حله لم يكن به بأس والقول بتأثيم من ينفق على نفسه وعياله مما اكتسبه من حله وأدى حق الله تعالى منه غير سديد إلا أن أفضل الطريق طريق المرسلين
(٢٨٥)