الشهود على اقرار باطل وبه فارق القتل والقذف فالرجوع عن الاقرار فيهما لا يكون صحيحا * يوضحه ان الاقرار بالزنا في معنى الشهادة ولهذا يشترط فيه عدد الأربع ويصح الرجوع عنه بمنزلة الشهادة وكما أن الشهادة التي تقوم في غير مجلس القضاء لا يقام بها الحدود فكذلك الاقرار عند غير القاضي لا يجوز إقامة الحد به وإذا شهد قوم من أهل الكوفة ان ذلك الشاهد فاسق فان شهادتهم لا تكون مقبولة عندنا وقال ابن أبي ليلي رحمه الله تقبل وترد شهادة الشاهد لان فسقه لو صار معلوما للقاضي بخبر المخبر رد شهادته فإذا صار معلوما له بشهادة الشهود أولى ولان الفسق مانع من العمل بشهادته بمنزلة الرق وكونه محدودا في قذف ولو قامت البينة على ذلك لم يجز القضاء بشهادته فكذلك إذا شهد الشهود بفسقه وجه قولنا ان المقصود بهذه الشهادة النفي لا الاثبات والبينات للاثبات لا للنفي وبيان الوصف ان المقصود نفى وجوب العمل بشهادته وبه فارق الرق وإقامة الحد عليه لان تلك البينة تقوم لاثبات الرق عليه ولاثبات فعل القاضي في إقامة الحد عليه ثم يتضمن ذلك بطلان شهادته حكما يوضحه ان صفة الفسق ليست بصفة لازمة فان الفاسق إذا تاب لا يبقى فاسقا فالشاهد لا يعلم بقاء هذا الوصف فيه عند شهادته حقيقة وإنما يقول ذلك باستصحاب الحال وذلك يطلق له الخبر دون الشهادة فكان محارفا في هذه الشهادة بخلاف الرق وإقامة الحد عليه فان ذلك صفة لازمة له فيجوز للشاهد أن يشهد على ذلك إذا كان قد علم سببه حقيقة ولان الفسق يثبت بأسباب يختلف الناس في بعضها فلعل الشاهد بذلك يعتمد لسبب عنده ان ذلك الفسق وعند القاضي ليس بفسق فلا يجوز له أن يعتمد بمجرد شهادته انه فاسق بخلاف الرق وإقامة الحد عليه وإذا سافر المسلم فحضره الموت وأشهد علي وصيته رجلين من أهل الكتاب لم تجز شهادتهما عندنا وقال ابن أبي ليلى رحمه الله تجوز شهادتهما وهو قول شريح رحمه الله فإنه كان يقول لا تقبل شهادة أهل الكتاب علي المسلمين في شئ الا في الوصية ولا تقبل في الوصية الا في حالة السفر وقد نقل ذلك عن إبراهيم النخعي لظاهر قوله تعالى اثنان ذوا عدل منكم أو آخران من غيركم يعنى من غير أهل دينكم بدليل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا شهادة بينكم ولكن نقل عن إبراهيم أنه قال هذه الآية منسوخة نسخها قوله تعالى واشهدوا ذوي عدل منكم وقد نقل عن عكرمة ان المراد من قوله عز وجل أو آخران من غيركم أي من غير قبيلتكم وهذا لان العداوة بين القبائل في الجاهلية كانت ظاهرة فبين الله تعالى انه لا معتبر بها بعد
(١٥٢)