وحجتنا في ذلك أن مطالبة كل واحد منهما صاحبه بدراهمه اشتغال بما لا يفيد لأنه يستوفى من صاحبه ويرد عليه من ساعته ما كان له قبله ولا يجوز الاشتغال بما لا يفيد وهذا بخلاف العين لان في الأعيان للناس أغراضا ولا يوجد مثل ذلك الغرض في الدين فان الديون تقضى بأمثالها لا بأعيانها فلا فائدة لواحد منهما في مطالبة صاحبه هنا لان التفاوت بين المعنيين متحقق في معنى من المعاني ولا يتحقق التفاوت بين الدينين إذا استويا من كل وجه وإنما يتحقق التفاوت إذا اختلفا في صفة الجودة والحلول ولا أحد يقول عند ذلك لا تقع المقاصة بينهما ومبادلة الدين بالدين إنما تجوز فيما لا يحتاج إلى قبض في المجلس وهنا يحتاج إلى القبض (ألا ترى) انهما لو تراضيا على المقاصة كان جائزا ومبادلة الدين بالدين حرام شرعا وان وجد التراضي لنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الكالئ بالكالئ وإذا كتب الرجل على نفسه صك حق يعوض ثم أقام البينة ان أصله مضاربة لم تقبل بينته عندنا وقال ابن أبي ليلى أقبل بينته واجعله مضاربة كذلك لو أقر علي نفسه بمال في صك حق من ثمن متاع ثم أقام البينة انه ربا لم تقبل بينته عندنا وكان ابن أبي ليلى يقبلها منه ويرده إلى رأس المال والقياس ما قلنا لان قبول البينة ينبنى على صحة الدعوى وبعد ما أقر ان المال عليه قرضا لا يصح دعواه انه مضاربة لأنه مناقض في ذلك وبدون الدعوى لا تقبل البينة وكذلك بعد ما أقر ان المال واجب عليه من ثمن متاع لا يسمع دعواه انه ربا لكونه مناقضا في ذلك فان الربا لا يكون واجبا عليه وبدون الدعوى لا تقبل بينته واستحسن ابن أبي ليلى رحمه الله في الفصلين جميعا لأنه وجد في ذلك عرفا ظاهرا بين الناس انهم يكتبون القرض للاحتياط وان كانوا دفعوا المال مضاربة ويقرون بثمن المتاع وإن كان أصل المعاملة قرضا والزيادة ربا شرط عليه فللعرف الظاهر قال تقبل بينته على ذلك ولكن هذا ليس بقوى فهذا العرف يدل على شهادة الظاهر له وذلك دليل قبول قوله مع يمينه لا دليل قبول بينته وبالاتفاق لا يقبل قوله مع يمينه لما سبق من الاقرار فكذلك لا تقبل بينته ولو أقر بمال في صك حق من ثمن بيع ثم قال لم أقبض المبيع فقد بينا هذه المسألة في كتاب البيوع ان على قول أبي حنيفة ومحمد لا يصدق وصل أم فصل وفى قول أبى يوسف الأول ان وصل صدق وان فصل لا يصدق ثم رجع فقال إذا فصل يسأل المقر له عن سبب وجوب المال فان أقر انه من ثمن بيع فالقول قول المقر انى لم أقبض المبيع وهو قول محمد وفى قول ابن أبي ليل سواء فصل أم وصل فالقول قوله باني لم أقبض المبيع ولا يلزمه شئ حتى يأتي
(١٥٠)