الله عنهم كان في ملاك رجل من الأنصار نثير الثمر فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يرفع ذلك ويقول لأصحابه انتهبوا وبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع لما نحر مائة بدنة أمر بان يؤخذ له من كل بدنة قطعة ثم قال من شاء أن يقتطع فليقتطع فهذا ونحوه من الهبة مستحسن شرعا فلما تبين له تفاوت ما بينهما تحول إلى مجلس أبي حنيفة وقيل كان سبب ذلك أنه كان يناظر زفر رحمه الله وتبين بالمناظرة معه تفاوت ما بين فقه أبي حنيفة رحمه الله وابن أبي ليلى فتحول إلى مجلس أبي حنيفة ثم أحب أن يجمع المسائل التي كان فيها الاختلاف بين أستاذيه فجمع هذا التصنيف وأخذ ذلك محمد رحمه الله وروى عنه ذلك الا انه زاد بعض ما كان سمع من غيره * فاصل التصنيف لأبي يوسف والتأليف لمحمد رحمة الله عليهما فعد ذلك من تصنيف محمد ولهذا ذكره الحاكم رحمه الله في المختصر ثم بدأ فقال * رجل غصب جارية من رجل فباعها وأعتقها المشترى فالبيع والعتق باطل في قول أبي حنيفة وبه نأخذ وهو قول أبى يوسف ومحمد وقال ابن أبي ليلى عتقه جائز وعلى الغاصب القيمة وجه قوله ان البيع منعقد فان انعقاد البيع لوجود الايجاب والقبول ممن هو من أهله في محله وقد وجد في الايجاب كلام الموجب وهو تصرف منه في حقه والمحل قابل للعقد ولهذا ينفذ العقد فيه بإجازة المالك ولو كان هذا العقد بإذن المالك كان نافذا ولا تأثير للاذن في اثبات الأهلية والمحلية فإذا ثبت انعقاد العقد ثبت انه موجب للملك لان الأسباب الشرعية غير مطلوبة لعينها بل لحكمها والحكم الخاص بالبيع والشراء الملك فإنما يثبت العتق بعد الملك لقوله عليه السلام لا عتق الا فيما يملكه ابن آدم وإذا نفذ العتق تعذر على الغاصب رد العين فيجب عليه ضمان القيمة وقد صار هو متلفا للجارية بتمليكها من المشترى وتسليط المشترى على اعتاقها فيجعل كأنه أتلفها بالقتل فيضمن قيمتها ويتقرر الثمن على المشترى لأنه بالعتق صار قابضا منهيا لملكه فيها ويكون الثمن للبائع لأنه وجب بعقده ولأنه بضمان القيمة قد ملكها والثمن بدل الملك فيكون للغاصب وحجتنا في ذلك أن العتق من المشترى لم يصادف ملكه ولا عتق فيما لا يملكه ابن آدم وهذا لان عين الملوك محفوظة على المالك بصفة المالكية فكما لا يجوز ابطال حق الملك عن المالكية باعتاق يصدر من غيره فكذلك لا يجوز ابطال حقه من غير ملكه (ألا تري) ان الغاصب لو أعتقه بنفسه لم ينفذ عتقه مراعاة لحق المالك فكذلك المشترى منه فاما قوله العقد موجب للملك وقد انعقد ففيه طريقان لنا أحدهما
(١٢٩)