مواهب الجليل - الحطاب الرعيني - ج ٦ - الصفحة ٦
الممنوع من الجائز. وقيل: إن الاجمال من جهة أنه ثبت في الشرع تحريم بعض البيوع فصارت الآية محتاجة إلى بيان الشروط التي تصح معها. وإذا كان المقصود من الحقائق الشرعية إنما هو معرفة الصحيح فلا حاجة إلى ما ذكره المازري من الاعتذار عن تسمية الفاسد بيعا عند العرب والله أعلم. ثم ذكر في التوضيح أنه يرد على هذا التعريف أسئلة وأصلها لابن راشد وعنه نقلها الشارح الكبير: الأول أن البيع علة في نقل الملك. يقال: انتقل الملك لمشتري الدار لأنه ابتاعها، والعلة مغايرة للمعلول فلا يمكن حد البيع بالنقل. الثاني أن النقل حقيقة في الأجسام مجاز في المعاني والمجاز لا يستعمل في الحدود. والثالث أن الملك مجهول لأنا إن قلنا هو التصرف انتقض بتصرف الوصي والوكيل فإنهما غير مالكين وهما يتصرفان، وقد يوجد الملك ولا تصرف كالمحجور عليه، وقد يوجدان معا في المالك الرشيد، وإذا كانت حقيقة الملك مجهولة فيكون قد عرف البيع بما هو أخفى منه اه‍.
قلت: السؤال الأول قريب من الايراد الذي ذكره ابن عرفة، ويجاب عنه بأنه ليس من التعريف بالحد التام أو الناقص وإنما هو من التعريف بالرسم الذي يكفي فيه التعريف بلازم الشئ. وأجاب ابن رشد عنه بأن التعليل لا يقتضي التغاير لوجود ذلك في كل حد مع محدوده، تقول: هذا إنسان لأنه حيوان ناطق. ويجاب عن السؤال الثاني بأن النقل وإن كان مجازا في المعنى فإنما ذلك بحسب اللغة، وأما عند الفقهاء فالظاهر أنه حقيقة شرعية والتعريف إنما هو بحسب العرف الشرعي. ويجاب عن السؤال الثالث بنحو ما أجيب عن الأول وهو أنه لا يحتاج إلى معرفة حقيقة الملك بل يكفي تصوره بوجه ما. وقد عرف القرافي في الفرق الموفي ثمانين بعد المائة فقال: قاعدة التصرف وقاعدة الملك، اعلم أن الملك أشكل على كثير من الفقهاء ضبطه فإنه عام يترتب عليه أسباب مختلفة كالبيع والهبة والصدقة والإرث وغير ذلك فهو غيرها، ولا يمكن أن يقال هو التصرف لأن المحجور عليه يملك ولا يتصرف. ثم ذكر نحو ما تقدم عن التوضيح ثم قال: وهذه حقيقة الأعم من وجه والأخص من وجه يجتمعان من صورة وينفرد كل واحد في صورة. والعبارة الكاشفة عن حقيقة الملك أنه حكم شرعي يقدر في العين أو المنفعة يقتضي تمكين من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك والعوض عنه من حيث هو كذلك. أما إنه حكم شرعي فبالاجماع ولأنه يتبع الأسباب الشرعية، وأما إنه مقدر فلأنه يرجع إلى متعلق الإذن الشرعي، والتعلق أمر عدمي ليس وصفا حقيقيا بل يقدر في العين أو المنفعة عند تحقق الأسباب المفيدة في الملك، وقولنا في العين أو المنفعة فإن الأعيان تملك بالبيع والمنافع بالإجارة. وقولنا: يقتضى انتفاعه بالمملوك ليخرج تصرف الوصي والوكيل والقاضي. وقولنا: والعوض عنه ليخرج الإباحة في الضيافات فإنها مأذون فيها وليست مملوكة على الصحيح، ولتخرج أيضا لاختصاصات بالمساجد والربط ومواضع المناسك ومقاعد السوق فإنه لا ملك فيها مع التمكن الشرعي من
(٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « 1 2 3 4 5 6 7 8 9 10 11 ... » »»
الفهرست