ولفظة العوض في التعريفين توجب خللا فيهما لأنها لا تعرف إلا بعد معرفة البيع أو ما هو ملزوم للبيع انتهى. وذلك لأن العوض هو أحد نوعي المعقود عليه، فمعرفته متوقفة على معرفة المعقود عليه توقف معرفة النوع على معرفة جنسه. وكذلك البيع فكل واحد منهما لازم وملزوم، ومعرفة أحدهما لازم لمعرفة الآخر، والمعقود عليه ملزوم للبيع لأنه كلما وجد المعقود لزم وجود البيع لأنه لا يكون معقودا عليه إلا بعد تقدم عقدين، فتوقفت معرفة العوض على معرفة البيع أو معرفة ما هو ملزوم للبيع وهو المعقود عليه، والفرض أن معرفة البيع توقفت على معرفة العوض لأنه أخذ في حده فجاء الدور والله أعلم. ويأتي الكلام على هذا الايراد، وعزا ابن عرفة التعريف الأول لاحد نقلي اللخمي أن البيع التعاقد والتقابض اعترض عليه في تركه التعقب عليها بغير ما ذكر. والتعريف الثاني للمازري والصقلي وتعقبهما بأن الأول لا يتناول غير بيع المعاطاة، وأن الثاني لا يتناول شيئا من البيع لأن نقل الملك لازم للبيع وأعم منه لأنه ينتقل بغيره كالصدقة والهبة وكونه بعوض يخصصه بالبيع عن الهبة والصدقة ولا يصيره نفس البيع. قال: ويدخل فيه النكاح والإجارة. وفي تتمات الغرر من المدونة: من قال: أبيعك سكنى داري سنة فذلك غلط في اللفظة وهو كراء صحيح. قال:
وقوله: العوض أخص من البيع يرد بأنه أعم منه لثبوته في النكاح وغيره، وتقدم لابن بشير النكاح عقد على البضع بعوض. وقال ابن سيده: العوض البدل ونحوه. قال الزبيدي: يقال أصبت منه العوض. وقسم النحاة التنوين أقساما أحدها تنوين العوض والأصل عدم النقل انتهى بالمعنى.
قلت: والتعريف الثاني ذكره ابن رشد في أول كتاب السلم من المقدمات فقال: نقل الملك على عوض انتهى. ونقله في التوضيح عن المازري فقط قال عنه: وهو يشمل الصحيح والفاسد بناء على أن الفاسد ينقل الملك قال: وإن قلنا إنه لا ينقله لم يشمله لكن العرب قد تكون التسمية عندهم صحيحة لاعتقادهم أن الملك قد انتقل عن حكمهم في الجاهلية وإن كان لم ينتقل على حكم الاسلام. خليل: وإن أردت إخراجه بوجه لا شك فيه فزد بوجه جائز انتهى كلامه.
قلت: اعلم أن العلماء اختلفوا في قوله تعالى: * (وأحل الله البيع) * هل هو من قبيل العموم الذي لا تخصيص فيه بناء على أن الفاسد لا يطلق عليه أنه بيع إلا على سبيل المجاز. ومنهم من قال: هو من قبيل العموم الذي يدخله التخصيص فهو على ظاهره إلا ما قام الدليل على خروجه وهو مذهب أكثر الفقهاء، وهذا بناء على أن البيع الفاسد يطلق عليه أنه بيع. ومنهم من قال: هو من قبيل المجمل لأنه يقتضي بظاهره إباحة كل بيع. وقوله بعده: * (وحرم الربا) * يقتضي تحريم كل بيع فيه تفاضل ولم يبين التفاضل