سافر دون القصر أو قدم ليلا فأصبح مفطرا، وفي المرأة تطهر ليلا فلم تغتسل إلا بعد الفجر فتفطر قال: فكل هؤلاء أفطروا على الجهل بموجب الحكم. فيكون المراد بالجهل ما لم يتأول شيئا لا تأويلا قريبا ولا بعيدا. وقال الجزولي في الكبير واختلف في الجاهل فقال ابن القاسم:
لا شئ عليه. وقال ابن حبيب: عليه الكفارة ولا يعذر بالجهل. وإنما يتصور هذا فيمن كان قريب عهد بالاسلام أسلم بدار الحرب ولم يعلم صوم رمضان هل هو فرض أم لا انتهى. وليس المراد بالجهل بوجود رمضان فإن ذلك واضح ولم أر أحدا ذكر فيه خلافا، بل المذهب أن من أكل في يوم الشك قبل أن يثبت الهلال ثم ثبت أنه من رمضان لا كفارة عليه. وكذلك الأسير إذا لم يعلم برمضان لم يذكر أحد قولا بوجوب الكفارة عليه والله أعلم.
فإن قيل: فما الفرق بين الجاهل والمتأول فإنه جاهل أيضا بالحكم، فما الفرق بينهما ثم إنهم فرقوا في المتأول بين التأويل والقريب والبعيد؟ فالجواب أنه لا فرق بينهما لا إذا حمل الجاهل على من كان حديث عهد بالاسلام فجهل وجوب رمضان أو بعض ما يمنعه رمضان من أحكامه المشتهرة، والمتأول من أفطر لوجه يخفي حكمه بل قال بعض العلماء بجواز الافطار به. وحاصل كلام اللخمي أنه لا فرق بين المتأول والجاهل وأنه لا كفارة عليهما بوجه، ولان الكفارة إنما هي على المنتهك فمن لم ينتهك وادعى وجها يعذر به وجاء مستفتيا قبل منه، ومن ظهر عليه نظر فيما يدعيه، فإن كان قريبا مما يرى أن مثله يجهل ذلك صدق، وأما إن كان بعيدا لم يصدق. قال اللخمي إثر كلامه المتقدم وذكره التأويل البعيد ما نصه الشيخ أصل المذهب أن الكفارة إنما تجب على من قصد الفطر جرأة وانتهاكا وإذا كان كذلك نظر. إن من أفطر بتأويل فإن جاء مستفتيا ولم يظهر عليه صدق فيما يدعيه وأنه لم يفعل ذلك جرأة فلا كفارة عليه، وإن ظهر عليه نظر فيما يدعيه، فإن كان ممن يرى أن مثله يجعل ذلك صدق، وإن أتى بما لا يشبه لم يصدق وألزم الكفارة. وهذه فائدة قولهم: إن هذا ينوي ولا ينوي الآخر ويجبر على الكفارة. ولو كان إخراج الكفارة إليه إذا ادعى مالا يشبه لم يكن للتفرقة وجه، وهذا هو الأصل في الحقوق التي لله سبحانه في الأموال. فمن كان لا يؤدي زكاتها أو وجبت عليه كفارة أو عتق عن ظهار أو قتل أو هدى فامتنع من أداء ذلك أنه لا يجبر على إنفاذه.
وقاله محمد بن المواز فيمن وجبت عليه كفارة مات قبل إخراج ذلك أنها تؤخذ من التركة إذا لم يفرط. فإن قيل: الكفارة مختلف فيها هل هي على الفور أو على التراخي، فكيف يجبر على إخراجها مع القول أنها على التراخي؟ قيل: إنما يصح أن يؤخذ بها من كان معتقدا أنه يخرجها، وأما من علم منه جحودها وأنه يقول لا شئ عليه فلا يؤخذ بها. وهذا في الحقوق التي تجب لله تعالى ولم يوجبها على نفسه. واختلف فيما تطوع بإيجابه على نفسه فقال: مالي صدقة للمساكين في غير يمين. فقال ابن القاسم: لا يجبر على إنفاذ ذلك. وقال في كتاب الصدقات من كتاب محمد: يجبر. وبقية ما تعلق بذلك مذكور في كتاب الهبات. انتهى