(والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون) وروى أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ولا زان ولا زانية ولا ذي غمر على أخيه، فورد النص في القذف والزنا وقسنا عليهما سائر الكبائر، ولان من ارتكب كبيرة ولم يبال شهد بالزور ولم يبال، وإن تجنب الكبائر وارتكب الصغائر فإن كان ذلك نادرا من أفعاله لم يفسق ولم ترد شهادته، وإن كان ذلك غالبا في أفعاله فسق وردت شهادته لأنه لا يمكن رد شهادته بالقليل من الصغائر لأنه لا يوجد من يمحض الطاعة ولا يخلطها بمعصية ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم (ما منا إلا من عصى أو هم بمعصية إلا يحيى ابن زكريا (ولهذا قال الشاعر:
من لك بالمحض وليس محض * يخبث بعض ويطيب بعض ولا يمكن قبول الشهادة مع الكثير من الصغائر، لان منى استجاز الاكثار من الصغائر استجاز أن يشهد بالزور فعلقنا الحكم على الغالب من أفعاله، لان الحكم الغالب، والنادر لا حكم له ولهذا قال الله تعالى (فمن ثقلت موازينه فأولئك هم الفالحون ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون) (فصل) ولا تقبل شهادة من لا مروءة له كالقوال والرقاص ومن يأكل في الأسواق ويمشي مكشوف الرأس في موضع لا عادة له في كشف الرأس فيه لان المروءة هي الانسانية، وهي مشتقة من المرء، ومن ترك الانسانية لم يؤمن أن يشهد بالزور، ولان من لا يستحيي من الناس في ترك المروءة لم يبال بما يصنع، والدليل عليه ما روى أبو مسعود البدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (ان مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحي فاصنع ما شئت) واختلف أصحابنا في أصحاب الصنائع الدنيئة إذا حسنت طريقتهم في الدين كالكناس والدباغ والزبال والنخال والحجام والقيم بالحمام، فمنهم من قال لا تقبل شهادتهم لدناءتهم ونقصان مروءتهم، ومنهم من قال تقبل شهادتهم لقوله تعالى (إن أكرمكم عند الله أتقاكم) ولأن هذه صناعات مباحة وبالناس إليها حاجة فلم ترد بها الشهادة.