قوله (ان يسترعيه) الاسترعاء في الشهادات مأخوذ من قولهم أرعيته سمعي أي أصغيت إليه، ومنه قوله راعنا. قال الأخفش معناه أرعنا سمعك ولا تقبل الشهادة على الشهادة إلا في حق يقبل فيه كتاب القاضي إلى القاضي وهو حقوق الآدميين دون حقوق الله تعالى، لان الحدود مبنية على الستر والدرء بالشبهات ولا يحكم بها، أي بالشهادة على الشهادة، إلا أن تتعذر شهادة الأصل بموت أو مرض أو غيبة مسافة قصر أو خوف من سلطان أو غيره، لأنه إذا أمكن الحاكم أن يسمع شهادة شاهدي الأصل استغنى عن البحث عن عدالة شاهدي الفرع وكان أحوط الشهادة ولا بد من ثبوت عدالة الجميع، ولا يجوز لشاهد الفرع أن يشهد إلا بما يسترعيه شاهد الأصل، فيقول اشهد على شهادتي بكذا، أو بسمعه يقر أو يعزوها إلى سبب من قرض أو بيع أو نحوه فيجوز الفرع أن يشهد، لان هذا كالاسترعاء، ويؤديها الفرع بصفة تحمله وتثبت شهادة شاهدي الأصل بفرعين، ولو على كل أصل فرع، ويثبت الحق بفرع مع أصل آخر. ويقبل تعديل فرع لأصله وبموته ونحوه لا تعديل شاهد لرفيقه. وإذا رجع شهود المال بعد الحكم لم ينقض الحكم لأنه قد تم ووجب المشهود به المشهود له، ولو كان قبل الاستيفاء ويلزمهم الضمان أي يلزم الشهود الراجعين بدل المال الذي شهدوا به قائما كان أو تالفا، لأنهم أخرجوه من يد مالكه بغير حق وحالوا بينه وبينه دون من زكاهم، فلا غرم على مزك إذا رجع المزكى، لان الحكم تعلق بشهادة الشهود، ولا تعلق له بالمزكيين لأنهم أخبروا بظاهر حال الشهود، وأما باطنه فعلمه إلى الله تعالى وإن حكم القاضي بشاهد ويمين ثم رجع الشاهد غرم الشاهد المال كله لان الشاهد حجة الدعوى، ولان اليمين قول الخصم.
وقول الخصم ليس مقبولا على خصمه، وإنما هو شرط الحكم فهو كطلب الحكم، وان رجعوا قبل الحكم لغت ولا حكم ولا ضمان، وان رجع شهود قود أو حد بعد حكم وقبل استيفاء لم يستوف ووجبت دية وقود