شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون الا الذين تابوا) التوبة توبتان، توبة في الباطن وتوبة في الظاهر، فأما التوبة في الباطن فهي ما بينه وبين الله عز وجل، فينظر في المعصية فإن لم يتعلق بها مظلمة لآدمي ولا حد لله تعالى كالاستمتاع بالأجنبية فيما دون الفرج فالتوبة منها أن يقلع عنها ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود إلى مثلها، والدليل عليه قوله تعالى (والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب الا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون، وأولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم وجنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها ونعم أجر العاملين).
وإن تعلق بها حق آدمي فالتوبة منها أن يقلع عنها ويندم على ما فعل ويعزم على أن لا يعود إلى مثلها وأن يبرأ من حق الآدمي اما أن يؤديه أو يسأله حتى يبرئه منه، لما روى إبراهيم النخعي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه رأى رجلا يصلى مع النساء فضربه بالدرة، فقال الرجل والله لئن كنت أحسنت فقد ظلمتني وإن كنت أسأت فما علمتني، فقال عمر اقتص، قال لا أقتص، قال فاعف، قال لا أعفو، فافترقا على ذلك، ثم لقيه عمر من الغد فتغير لون عمر، فقال له الرجل يا أمير المؤمنين أرى ما كان منى قد أسرع فيك، قال أجل، قال فأشهد أنى قد عفوت عنك.
وان لم يقدر على صاحب الحق نوى أنه ان قدر أوفاه حقه، وان تعلق بالمعصية حد لله تعالى كحد الزنا والشرب، فإن لم يظهر ذلك فالأولى أن يستره على نفسه لقوله عليه السلام: من أتى من هذه القاذورات شيئا فليستتر بستر الله تعالى، فإن من أبدى لنا صفحته أقمنا عليه حد الله، وان أظهره لم يأثم، لان ما عزا والغامدية اعترفا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم بالزنا فرجمهما ولم ينكر عليهما، وأما التوبة في الظاهر وهي التي تعود بها العدالة والولاية وقبول الشهادة فينظر في المعصية فإن كانت فعلا كالزنا والسرقة لم يحكم بصحة التوبة حتى يصلح عمله مدة لقوله تعالى (إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا) وقدر أصحابنا المدة بسنة. لأنه لا تظهر صحة التوبة في مدة قريبة فكانت أولى المدد بالتقدير سنة، لأنه تمر فيها الفصول الأربعة التي تهيج فيها الطبائع وتغير فيها الأحوال