آخر إذا كانا من أباعد العصبات بحيث لا يصل العقل إليهما حتى يموت من قبلهما قبلت شهادتهما، فمن أصحابنا من نقل جواب إحداهما إلى الآخرى وجعلهما على قولين:
(أحدهما) أنه تقبل لأنهما في الحال لا يحملان العقل.
(والثاني) أنه لا تقبل لأنه قد يموت القريب قبل الحول ويوسر الفقير فيصيران من العاقلة، ومنهم من حملهما على ظاهرهما فقال تقبل شهادة الأباعد ولا تقبل شهادة القريب الفقير، لان القريب معدود في العاقلة واليسار يعتبر عند الحول وربما يصير موسرا عند الحول، والبعيد غير معدود في العاقلة وإنما يصير من العاقلة إذا مات الأقرب.
(فصل) ولا تقبل شهادة الوالدين للأولاد وان سفلوا، ولا شهادة الأولاد للوالدين وان علوا وقال المزني رحمه الله وأبو ثور: تقبل، ووجهه قوله تعالى (واستشهدوا شهيدين من رجالكم) فعم ولم يخص، ولأنهم كغيرهم في العدالة فكانوا كغيرهم في الشهادة، وهذا خطأ لما روى ابن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال (لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي إحنة) والظنين المتهم، وهذا متهم لأنه يميل إليه ميل الطبع، ولان الولد بضعة من الوالد، ولهذا قال عليه السلام: يا عائشة ان فاطمة بضعة منى يريبني ما يربيها) ولان نفسه كنفسه وماله كماله، ولهذا قال عليه السلام لأبي معشر الدارمي:
أنت ومالك لأبيك. وقال صلى الله عليه وسلم: ان أطيب ما أكل الرجل من كسبه، وان ولده من كسبه، ولهذا يعتق عليه إذا ملكه ويستحق عليه النفقة إذا احتاج، والآية نخصها بما ذكرناه.
والاستدلال بأنهم كغيرهم في العدالة يبطل بنفسه فإنه كغيره في العدالة، ثم لا تقبل شهادته لنفسه، وتقبل شهادة أحدهما على الآخر في جميع الحقوق.
ومن أصحابنا من قال: لا تقبل شهادة الولد على الوالد في ايجاب القصاص وحد القذف لأنه لا يلزمه القصاص بقتله ولا حد القذف بقذفه فلا يلزمه ذلك بقوله والمذهب الأول لأنه إنما ردت شهادته له للتهمة ولا تهمة في شهادته عليه.