بعض آفاقه في نسبة الخبر إلى عثمان بن عفان.
وعليه فلا يستبعد أن يكون عثمان بن عفان وعبد الله بن عمرو بن العاص هما اللذان أخذا بالوضوء الثلاثي الغسلي من اليهود اجتهادا منهم بأنه الأطهر والأنقى، لعدم ثبوت الغسل عن رسول الله - لما تقدم -، ولكون الروح الاجتهادية الموجودة عندهم قد تكون هي التي دعتهم لاتخاذ هكذا قرار في الوضوء.
والمتأمل فيما حكاه الأستاذ كرد علي من وضوء اليهود يقف على مسائل لم يتفق المسلمون عليها، كلزوم الغسل على من لمس الحائض، أو غسل المتوضئ يديه قبل الوضوء، أو مسح الأذنين وغيرها، وهذه المسائل موجودة اليوم في فقه بعض المذاهب الإسلامية، وقد تكون قد دخلت من اليهود في الإحكام الشرعية، واختلطت مع مسائل إسلامية أخرى فأخذت صورتها اليوم.
فإن تصريح ابن عباس بأنه لا يجد في كتاب الله إلا المسح ثم مخالفته لنقل الربيع عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكذا ما نراه عن بعض التابعين وقوله: إن القرآن نزل بالمسح لكن السنة جرت بالغسل، كل هذه ترشدنا إلى وجود نهجين في الشريعة، أحدهما يتعبد بالنصوص - قرآنية أم حديثية - والآخر يجتهد في معرفة الأحكام من عند نفسه.
هذا وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يتخوف على أمته من شيوع هذه الروح الاجتهادية عندهم، إذ كان يأمرهم مرارا بلزوم التعبد بأقواله ونصوصه، ولو تأملت فيما قاله رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعمر بن الخطاب لما أتاه بجوامع التوراة: والذي نفسي بيده لو أن موسى (عليه السلام) أصبح فيكم ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، أنتم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين.
ولفظة (وتركتموني لضللتم) تعني وبوضوح إن عدم الأخذ عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) هو الابتعاد عن الدرب والطريقة المستقيمة، لأن طاعة الله تتجلى في اتباع سنة نبيه وهو ما أمرنا به رب العالمين، لا في اجتهادات الصحابة وإن اجتهادات الصحابة المخالفة لظهور القرآن يبعدنا عن سنة الرسول لا محالة.
ونحن قد وضحنا في كتابنا منع تدوين الحديث آفاق وجذور انقسام المسلمين إلى نهجين.