وإنما الاختلاف بينهما من حيث مصاديق الوسائل التي يرفع الانسان بها حوائجه المادية، ومن حيث مصاديق الحوائج حسب ما يتنبه لها وبوسائل رفعها.
فقد كان الانسان الأولي مثلا يتغذى بما يجده من الفواكه والنبات ولحم الصيد على وجه بسيط ساذج، وهو اليوم يهيئ منها ببراعته وابتداعه ألوفا من ألوان الطعام والشراب ذات خواص تستفيد منها طبيعته، وألوان يستلذ منها بصره، وطعوم يستطيبها ذوقه، وكيفيات يتنعم بها لمسه، وأوضاع وأحوال أخرى يصعب إحصاؤها، وهذا الاختلاف الفاحش لا يفرق الثاني من الأول من حيث إن الجميع غذاء يتغذى به الانسان لسد جوعه وإطفاء نائرة شهوته. وكما أن هذه الاعتقادات الكلية التي كانت عند الانسان أولا لم تبطل بعد تحوله من عصر إلى عصر بل انطبق الأول على الآخر انطباقا، كذلك القوانين الكلية الموضوعة في الاسلام طبق دعوة الفطرة واستدعاء السعادة لا تبطل بظهور وسيلة مكان وسيلة ما دام الوفاق مع أصل الفطرة محفوظا من غير تغير وانحراف، وأما مع المخالفة فالسنة الاسلامية لا توافقها سواء في ذلك العصر القديم، والعصر الحديث.
وأما الاحكام الجزئية المتعلقة بالحوادث الجارية التي تحدث زمانا وزمانا وتتغير سريعا بالطبع كالأحكام المالية والانتظامية المتعلقة بالدفاع وطرق تسهيل الارتباطات والمواصلات والمؤسسات البلدية ونحوها فهي مفوضة إلى اختيار الوالي ومتصدي أمر الحكومة فإن الوالي نسبته إلى ساحة ولايته كنسبة الرجل إلى بيته فله أن يعزم على أمور من شؤون المجتمع في داخله أو خارجه مما يتعلق بالحرب أو السلم مالية أو غير مالية يراعي فيها صلاح حال المجتمع بعد المشاورة مع المسلمين كما قال تعالى : (وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على