وقتلها بنفس السيف الذي أعطته للإنسان لدفع الشر عنها، ولو استعمل الفكر الذي هو أحد وسائل الطبيعة في تأييد ما أفسد من شؤون الطبيعة عادت هذه الوسيلة أيضا فاسدة منحرفة كسائر الوسائل، ولذلك ترى أن الإنسان اليوم كلما أصلح بقوة فكره واحدا من المفاسد العامة التي تهدد مجتمعه أنتج ذلك ما هو أمر وأدهى وزاد البلاء والمصيبة شيوعا وشمولا.
نعم ربما قال القائل من هؤلاء: إن الصفات الروحية التي تسمي الفضائل النفسانية هي بقايا من عهد الأساطير والتوحش لا تلائم حياة الإنسان الراقي اليوم كالعفة والسخاء والحياء والرأفة والصدق فإن العفة تقييد لطبيعة النفس فيما تشتهيه من غير وجه، والسخاء إبطال لسعي الإنسان في جمعه المال وما قاساه من المحن في طريق اكتسابه على أنه تعويد للمسكين بالبطالة في الاكتساب وبسط يده لذل السؤال، والحياء لجام يلجم الإنسان عن مطالبة حقوقه وإظهار ما في ضيمره، والرأفة تضعف القلب، والصدق لا يلائم الحياة اليومية، وهذا الكلام بعينه من مصاديق الانحراف الذي ذكرناه.
ولم يدر هذا القائل أن هذه الفضائل في المجتمع الإنساني من الواجبات الضرورية التي لو ارتفعت من أصلها لم يعش المجتمع بعدها في حال الاجتماع ولا ساعة.
فلو ارتفعت هذه الخصال وتعدى كل فرد إلى ما لكل فرد من مختصات الحقوق والأموال والأعراض، ولم يسخ أحد ببذل ما مست إليه حاجة المجتمع، ولم ينفعل أحد من مخالفة ما يجب عليه رعايته من القوانين، ولم يرأف أحد بالعجزة الذين لا ذنب لهم في عجزهم كالأطفال ومن في تلوهم، وكذب كل أحد لكل أحد في جميع ما يخبر به ويعده وهكذا تلاشى المجتمع الإنساني من حينه.