والتنعم، فإن ذلك من أعظم الخبط، فإن هذه البينات الطبيعية التي منها البنية الإنسانية مركبات مؤلفة من أجزاء كثيرة تستوجب بوقوع كل في موقعه الخاص على شرائطه المخصوصة به وضعا هو الملائم لغرض الطبيعة والخلقة وهو المناسب لكمال النوع كالمعاجين والمركبات من الأدوية التي تحتاج إلى أجزاء بأوصاف، ومقادير، وأوزان وشرائط خاصة لو خرج واحد منها عن هيئته الخاصة أدنى خروج وانحراف سقط الأثر.
فالإنسان مثلا موجود طبيعي تكويني ذو أجزاء مركبة تركيبا خاصا يستتبع أوصافه داخلية وخواص روحية تستعقب أفعالا وأعمالا فإذا حول بعض أفعاله وأعماله من مكانته الطبيعية إلى غيرها يستتبع ذلك انحرافا وتغيرا في صفاته وخواصه الروحية وانحرف بذلك جميع الخواص والصفات عن مستوى الطبيعة، وصراط الخلقة، وبطل بذلك ارتباطه بكماله الطبيعي، والغاية التي يبتغيها بحسب الخلقة.
وإذا بحثنا في المصائب العامة التي تستوعب اليوم الإنسانية وتحبط أعمال الناس ومساعيهم لنيل الراحة والحياة السعيدة وتهدد الإنسانية بالسقوط، والانهدام وجدنا أن أقوى العوامل فيها بطلان فضيلة التقوى وتمكن الخرق والقسوة والشدة والشره من نفوس المجتمعات البشرية، وأعظم أسبابه وعلله الحرية والاسترسال والإهمال في نواميس الطبيعة في أمر الزوجية وتربية الأولاد، فإن سنة المجتمع المنزلي (الأسرة) وتربية الأولاد اليوم تميت قرائح الرأفة والرحمة والعفة والحياء والتواضع من الإنسان من أول حين يأخذ في التمييز إلى آخر ما يعيش.
وأما تدارك هذه النواقص بالكفر والروية فهيهات ذلك فإنما الفكر كسائر لوازم الحياة وسيلة تكوينية اتخذتها الطبيعة وسيلة لرد ما خرج وانحرف عن صراط الطبيعة والتكوين إليه لا لابطال سعي الطبيعة والخلقة