والأسهم السياسية المحددة في هذه الصيغة أقصى ما استطاعت البطون أن تنتزعه، ولاح لهذه البطون أنها أفضل صيغة سياسية على الاطلاق، إذ ليس فيها غالب ولا مغلوب. فالمناصب السياسية قدر مشترك بين البطون ولا مصلحة لأي بطن بتغيير هذه الصيغة لأنه لو حاول التغيير فلا يعرف على وجه الجزم واليقين عواقب محاولته.
فقد يفقد ما حققه، ثم إن الأمور قد استقامت ونظمت أمور ولاية البيت الحرام، فارتاحت كل البطون لهذه الصيغة، ومع الأيام أصبحت عنوان عقيدة سياسية وأثرا مأثورا مما تركه الأولون، ومن غير الجائز الخروج عليه من قبل أي كان.
ج - محاولات لزعزعة الصيغة:
في السنين العجاف لم يكن لمكة غير هاشم، يطعم الناس ويشبعهم، وقيل له: أبو البطحاء وسيد البطحاء، ولم تزل مائدته منصوبة في السراء والضراء، وكان يحمل ابن السبيل ويؤمن الخائف (1). فخشي أمية بن عبد شمس منه وحسده، فتكلف أن يصنع ما يصنع هاشم، فعجز عن ذلك، فعيرته قريش فدعا هاشما للمنافرة فأبى، ثم تنافرا على خمسين ناقة وعلى الجلاء عن مكة عشر سنين، فقضى الحكم بأن هاشما أشرف من أمية، فنحرت النوق وجلا أمية إلى الشام، فكانت هذه بذرة العداء الأولى بين البيتين الهاشمي والأموي. ولعل الذي دفع أمية هو الحسد لهاشم والخشية من أن يشكل هاشم خطرا على هذه الصيغة لأن القيادة بيد بني عبد شمس، وبروز نجم مثل هاشم قد يزعزع الصيغة كلها ويستخف الناس (2).
د - إشاعة النبوة أشيع في مكة أن نبيا سيبعث، وأنه سيكون من سلالة عبد مناف، وممن استقرت في أذهانهم هذه الإشاعة أبو سفيان، فقد كان على علاقة وطيدة بأمية بن أبي الصلت. وأبو سفيان موقن أن هذا النبي سينسف الصيغة السياسية، وسيأخذ منه