ثم إن عليا هو الذي كفى رسول الله كفار العرب بسيفه ورمحه، فكيف يرضى أبو سفيان عن قاتل ابنه وأولاد عمومته؟ وكيف تتقبل هند وابنها معاوية رئاسة الذين قتلوا الأهل والأحبة؟ عمر قد يقبل قاتل خاله، لأن الإيمان تمكن من قلبه، ولكن غيره لا يتقبل ولا يقبل، ثم إن الرسول (ص) لا لوم عليه فهو لم يقتل بيديه، إنما كان القاتل علي، فعصبت قريش دماءها بعلي ووجهت لومها وكراهيتها له مع الاحتفاظ بهويتها الإسلامية وولائها للنبي بالذات، فلو أخذت قريش بما تسميه " بالفضائل " التي أضفاها النبي (ص) على علي وسلمت له الخلافة فإن قريش لن تتحد في ظل حكمه بل ستفترق وتختلف، وسينعكس هذا الافتراق وهذا الاختلاف على مستقبل الإسلام ومستقبل الولاء للنبي بالذات، وقد تقع الفتنة مع ما تجره من عواقب وخيمة على الإسلام والمسلمين. بهذا وحده يمكن أن نفسر الاندفاع الهائل لأمير المؤمنين في هذا التوجه، ونفسر سر الائتلاف بينه وبين بطون قريش على شعار " لا ينبغي أن يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة "، حتى تحول أمير المؤمنين عمر إلى مخطط ومنظر حقيقي وأوحد لهذا التيار.
قريش تتحد ضد الولي كما اتحدت ضد النبي وحدة الرؤى الرئيسية وحدت قريش كلها خلف شعار " لا ينبغي أن يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة "، فقد وقفت كل بطون قريش بلا استثناء (1) ضد النبوة الهاشمية واشتركت كل بطون قريش في مقاطعة بني هاشم ثلاث سنين بهدف القضاء على هذه النبوة وفشل الحصار، وتآمرت كل بطون قريش على قتل النبي وعبرت عن وحدتها بهذا التآمر بإرسال أحد رجالها للاشتراك في قتله، وفشلت المؤامرة ونجا النبي ثم جهزت كل بطون قريش الجيوش وحاربت النبي وفشلت، وأحيط بها فاستسلمت وأدركت أن النبوة قدر لا مفر منه وسلمت بها لبني هاشم.
لكنها عزمت وجزمت على أن لا يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة، فوقفت وقفة رجل واحد ضد علي كما وقفت كل بطونها وقفة رجل واحد ضد النبي وغايتها محددة وهي أن لا يجمع الهاشميون الخلافة مع النبوة وبنفس الوقت الاحتفاظ بالهوية