وجه من وجوهه هو المرجع اليقيني الأوثق للغة. وباستقراء الآيات القرآنية التي وردت فيها مشتقات الكلمة الأصلية (صحب أو صاحب) تجد أنها قد غطت بالكامل المعاني اللغوية التي أشرنا إليها، وقد تكررت هذه المشتقات في القرآن الكريم 97 مرة، وهي حصرا " (تصاحبني، وصاحبهما، وصاحبته وأصحاب، وأصحابهم، وصاحبه...) ومن المثير للدهشة أن القرآن الكريم قد خلا من لفظي (صحابي وصحابة) (1).
وقد استعمل لفظ (أصحاب محمد) للدلالة على الذين سبقوا باعتناق الإسلام، أو تظاهروا بهذا الاعتناق، وكانوا يشكلون قلة وسط محيط عربي مجاهر بالشرك ومعارض لمحمد ولدينه. وهذه القلة هي التي سبقت الناس إلى الدخول في الإسلام والتي قامت دولة النبي بسواعدها، والتي تحملت أعباء المواجهة الأولى مع بطون قريش ومن والاها. لقد عرفت هذه القلة بأصحاب محمد أو بأصحاب الرسول أو بالأصحاب إطلاقا "، وبقيت تحمل هذا الوصف حتى بعد انتصار النبي وبعد أن دانت له العرب رغبة أو رهبة، ودخلوا جميعا " في دين الله أو تظاهروا بذلك. ومن هذه القلة فئة منافقة تظاهرت بالإسلام والإيمان عند قدوم النبي إلى المدينة المنورة، وفي الحقبة الزمنية التي بدأت فيها المواجهة المسلحة بين الرسول وأصحابه القلة وبين بطون قريش ومن والاها من العرب. ومع أن قلوب أولئك المنافقين كانت كافرة بالرسول، وبكل ما جاء به، إلا أنها كانت حريصة على إظهار الإسلام والإيمان، والقيام بجميع الواجبات المطلوبة ظاهريا "، وعندما كانت تتخلف عن ذلك أو تظهر بعض بوائقها، كانت تعتذر للرسول وتلح في الاعتذار حتى يعذرها. وكانت حريصة على التظاهر بموالاة الرسول في الوقت الذي كانت فيه قلوب أفرادها تقطر بالحقد عليه وعلى آله، وتتربص الفرص لنقض كلمة الإسلام من أصولها أو للانحراف بمساره عند الاقتضاء.
وقد قويت شوكة النفاق حتى صار ظاهرة من أخطر الظواهر التي هددت مجتمع الرسول. واحتل الهجوم عليها، وكشف وسائل المنافقين الخبيثة،