له شيئا فشيئا بعد هذا التمرد الكبير والخروج عن طاعة خليفة المسلمين بغيا منه وطمعا في النعيم الدنيوي الذي طالما حلم به.
وقد كنت في الماضي استغرب كثيرا لهذه الواقعة التي قتل فيها ما يزيد على التسعين ألفا من الجانبين، وكانت الإجابة كالمعتاد فيقولون: (إنها كانت مجرد فتنة حصلت بين صحابيين جليلين، وقد اجتهدا، فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، ولا ينبغي التفكير في ذلك، فتلك أمة قد خلت، لها ما كسبت ولكم ما كسبتم) وغير ذلك مما يسدون به أي باب من شأنه أن يكشف النقاب عن هذه (الفتنة) كما يسمونها. وهكذا تبقى هذه المسألة بنظر أهل السنة معلقة وكأنها لغزا غامضا ليس له حل، مما فتح الباب على مصراعيه للمستشرقين ليدلوا بدلوهم في ديننا، حتى أن بعضهم قال بأنه يوجد في الإسلام تناقض، مشبرا إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وآله:
" إذا تلاقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار " والذي يتعارض مع قول أهل السنة بأن الفريقين في موقعة صفين كانا مسلمان وقائداهما صحابيان جليلان!! فلماذا هذا الإصرار على عدم تمييز الحق من الباطل؟ فلماذا لا تقال الحقيقة إذن؟ وهل هي فعلا غامضة؟
وعلى كل حال، فإن الذي قد التبس عليه معرفة حقيقة معاوية، فليتمعن بما يلي من دلائل، وليكن للقارئ حكمه بعد ذلك:
فقد أخرج مسلم في صحيحه قول علي عليه السلام: " والذي خلق الحبة وبرأ النسمة إنه لعهد النبي الأمي (ص) أنه لا يحبني إلا مؤمن ولا يبغضني إلا منافق " (1) فما بالك بالذي يسير الجيوش لقتاله؟ وما هو حكم أهل السنة بمن يخرج عن طاعة إمام المسلمين الواجب الطاعة؟
وفي صحيح البخاري ما يشير إلى بغي معاوية. فعن أبي سعيد