أجوبة الشيخ التي كان يلقيها على السائلين، وأعلل رأيي بالقرآن والسنة، واستاء بعض الحاضرين من هذا التطفل واعتبروه سوء أدب في حضرة الشيخ، وقد اعتادوا أن لا يتكلموا بحضرته إلا بإذنه، وأحس الشيخ بحرج الجالسين فأزاح تلك السحابة بلباقة وأعلن قائلا: " من كانت بدايته محرقة تكون نهايته مشرقة " واعتبر الحاضرون هذا وساما من حضرته وسوف يكون أكبر ضمان لنهايتي المشرقة وهنأوني بذلك، ولكن شيخ الطريقة ذكي ومدرب لم يترك لي المجال مفتوحا لمواصلة هذا التطفل المزعج وروى لنا قصة أحد العارفين بالله عندما جلس في حلقته بعض العلماء، فقال له: قم فاغتسل، وذهب العالم واغتسل وجاء ليجلس في الحلقة فقال له ثانية: قم فاغتسل، وذهب العالم وعاود الغسل كأحسن ما يكون ظنا منه بأن الغسل الأول لم يكن على الوجه الصحيح، وجاء ليجلس فانتهره الشيخ العارف وأمره بالاغتسال من جديد فبكى العالم وقال له: يا سيدي لقد اغتسلت من علمي ومن عملي ولم يبق عندي إلا ما يفتح الله به على يديك.
عند ذلك قال له العارف، الآن اجلس.
وعرفت بأني أنا المقصود من هذه القصة كما عرف ذلك الحاضرون الذين لاموني بعد خروج الشيخ للاستراحة وأقنعوني بالسكوت ولزوم الاحترام بحضرة الشيخ صاحب الزمان لئلا تحبط أعمالي مستدلين بالآية الكريمة (يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون) (1) صدق الله العظيم.
وعرفت قدري وامتثلت للأوامر والنصائح، وقربني الشيخ منه أكثر، وأقمت عنده ثلاثة أيام كنت أسأل خلالها أسئلة عديدة بعضها للاختبار وكان الشيخ يعرف ذلك مني فيجيبني قائلا بأن للقرآن ظاهرا وباطنا إلى سبعة أبطن كما فتح لي خزانته وأطلعني على كراسه الخاص والذي فيه سلسلة الصالحين والعارفين