المحطة يتقدمهم شيخ الطريقة العيساوية وشيخ التيجانية وشيخ القادرية بالطبول والبنادير (1).
وطافوا بي شوارع المدينة مهللين ومكبرين وكلما مررنا بمسجد أوقفوني على عتبته بعض الوقت، والناس من حولي يتسابقون لتقبيلي وخصوصا الشيوخ المسنين كانوا يلثمونني وهم يبكون شوقا لرؤية بيت الله والوقوف على قبر رسوله وهم لم يعتادوا روية حاج في مثل عمري كما لم يروا هذا في قفصة قبلي.
وعشت أسعد أيام حياتي في ذلك الوقت وقد جاء إلى بيتنا أشراف المدينة وكبراؤها يسلمون مهنئين وداعين، وكثيرا ما كان يطلب مني قراءة الفاتحة مع الدعاء بحضرة والدي فكنت أخجل حينا وأتشجع أحيانا، وكانت والدتي في كل مرة تدخل بعد خروج الزائرين لإطلاق البخور والتعاويذ لحمايتي من شر الحاسدين، ودفع كيد الشياطين.
وأقام والدي ثلاث ليال متواليات للحضرة التيجانية يذبح في كل يوم كبشا للوليمة، وكان الناس يسألونني عن كل كبيرة وصغيرة، وكانت أجوبتي كلها تنطوي على الكثير من الإعجاب والإطراء للسعوديين وما يقومون به لنشر الإسلام ونصرة المسلمين.
ولقبني سكان المدينة " بالحاج " فإذا أطلق هذا الاسم لا ينصرف إلا إلي، وأصبحت بعد ذلك معروفا أكثر، وخصوصا في الأوساط الدينية كجماعة الإخوان المسلمين، فكنت أطوف في المساجد وأنهى الناس عن تقبيل الأضرحة والتمسح بالأخشاب، وأحاول جهدي إقناعهم بأن ذلك شرك بالله، وازداد نشاطي توسعا فكنت ألقي الدروس الدينية في المساجد يوم الجمعة قبل خطبة الإمام وأتنقل من جامع أبي يعقوب إلى الجامع الكبير، لأن صلاة الجمعة تقام فيهما في أوقات مختلفة بينما تصلى الأولى وقت الظهر تقام الثانية وقت العصر وكثيرا ما كان يحضر تلك الحلقات التي أقيمها يوم الأحد أغلب تلاميذ المعهد الثانوي الذي أدرس فيه مادة التكنولوجيا والمبادئ التقنية، وكانوا يعجبون لهذا ويزدادون حبا وتقديرا لأني