الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٤١
الاستيلاء على الطعام وزخرف الحياة. ولوحوا إلى نوح عليه السلام بأن يطرد هؤلاء من حوله. نظرا لخطورتهم على المدى البعيد كما يعتقدون يقول تعالى:
(قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون * قال وما علمي بما كانوا يعملون * إن حسابهم إلا على ربي لو تشعرون * وما أنا بطارد المؤمنين * إن أنا إلا نذير مبين) (35). قال المفسرون: لقد ذكروا له أن متبعيه من العبيد والفقراء والسفلة وأرباب الحرف الدنيئة. فنفى عليه السلام علمه بأعمالهم قبل إيمانهم به (36) وقال وأي شئ يلزمني من أتباع هؤلاء لي، ولو كانوا على أي شئ كانوا عليه، لا يلزمني التنقيب عنهم والبحث والفحص، إنما علي أن أقبل منهم تصديقهم إياي وأكل سرائرهم إلى الله عز وجل (37). وقوله: (وما أنا بطارد المؤمنين) كأنهم سألوا منه أن يبعدهم فقال: لا شأن لي إلا الإنذار والدعوة. فلست أطرد من أقبل علي وآمن بي (38) فمن أطاعني واتبعني وصدقني كان مني سواء كان شريفا أو وضيعا. جليلا أو حقيرا (39) وفي مجمل رده عليه السلام كما جاء في سورة هود قال: (وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون * ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون) (40) قال المفسرون: لقد أطلق المترفين على أتباعه لفظ الأراذل. فغير عليه السلام اللفظ إلى الذين آمنوا تعظيما لإيمانهم وارتباطهم بربهم. ورفض أن يطردهم من عنده. وعلل ذلك. بأن الذين آمنوا. لهم يوما يرجعون فيه إلى الله. فيحاسبهم على أعمالهم. فالملأ ينظر إلى أتباعه. على أنهم أراذل ولا يملكون مالا أو جاها، وهذه نظرة قاصرة، فالحياة الدنيا عرض زائل وسراب باطل. ولا تخلو من خصال خمس: لعب ولهو وزينة وتفاخر وتكاثر. وهذه الخصال يتعلق بها أو ببعضها هوى الإنسان، وهي أمور زائلة لا تبقى للإنسان. ولكن تكون النظرة ثاقبة. يجب النظر إلى عمل الإنسان. وهذا العمل سيظهر جليا يوم القيامة.

(35) سورة الشعراء، الآيات: 111 - 115.
(36) الميزان: 296 / 15.
(37) ابن كثير: 340 / 2.
(38) الميز ن: 296 / 15.
(39) ابن كثير: 34 / 3.
(40) سورة هود، الآيتان: 29 - 30.
(٤١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 36 37 38 39 40 41 42 43 44 45 46 ... » »»
الفهرست