الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٩
وأبوابها كربوبية البحر وربوبية البر وربوبية الأرض وغير ذلك. ثم أخبرهم عليه السلام بأوصاف نفسه. فبين أنه يبلغهم رسالات ربه. وهذا شأن الرسالة ومقتضاها القريب الضروري. ثم ذكر أنه ينصح لهم ليقربهم من طاعة ربهم.
ويبعدهم عن الاستكبار والاستنكاف عن عبوديته. وأنه يعلم من الله ما لا يعلمون. كوقائع يوم القيامة من الثواب والعقاب وغير ذلك. وما يستتبع الطاعة والمعصية من رضاه تعالى. وسخطه ووجوه نعمه ونقمه (27) ثم قال لهم:
(أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم) لقد أنكر تعجبهم من دعواه الرسالة، ودعوته إياهم إلى الدين الحق، وقال. لا تعجبوا من هذا، فإن هذا ليس بعجب أن يوحي الله إلى رجل منكم. رحمة بكم ولطفا وإحسانا إليكم لينذركم. ولتتقوا نقمة الله ولا تشركوا به (28).
ورغم هذا البيان كان الشيطان قد استحوذ على عقول كفار القوم، فلقد ظلوا يروجون لثقافة رفض البشر الرسول، تلك الثقافة التي وضع الشيطان أصولها يوم رفض السجود لآدم. وقام القوم بإضفاء الزينة على ثقافتهم التي وجهوها من أجل الصد عن سبيل الله. فأضافوا أوراق الانتقاص والتحقير إليها متهمين نوحا عليه السلام بالضلالة وأن به جنة، ولقد التقط طابور الشذوذ على امتداد التاريخ الإنساني هذه المقولات وأضافوا إليها. وإذا كان قوم نوح في أول الطريق قد رفضوا البشر الرسول لأنه لا نسب بينه وبين الملائكة. فإن طابور الانحراف في ختام المسيرة البشرية قد اخترع آلهة وادعى أنه بينها وبين الله نسبا. وعلى هذا الادعاء قامت دول ورفعت رايات كان الشيطان لها دليلا.
إن الشذوذ في أول الطريق يبدو ضئيلا، ثم يتسع شيئا فشيئا. وإذا كان شذوذ قوم نوح قد دفن في طين الطوفان. فإن الشيطان ظل يراقب تجربة الشذوذ، ويلقي بآخر مرحلة من التجربة التي اندثر أصحابها على قارعة الطريق الذي يسير عليه المستكبرين الجدد ليلتقطوها. وهكذا. والله غالب على أمره.

(27) الميزان: 175 / 8.
(28) تفسير ابن كثير: 223 / 2.
(٣٩)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 44 ... » »»
الفهرست