الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٤٥
ففي بيانه تعريض لهم أنه قد تمت عليهم الحجة. وبانت لهم الحقيقة.
فلم يؤمنوا. لكنهم مع ذلك يريدون أمرا يؤمنون لأجله، وليس إلا الإجبار والإلزام على كراهية، فهم في قولهم: لا نراك إلا بشرا مثلنا.. لا يريدون إلا الإجبار، ولا إجبار في دين الله، والآية من جملة الآيات النافية للإكراه في الدين، وتدل على أن ذلك من الأحكام الدينية المشرعة في أقدم الشرائع، وهي شريعة نوح عليه السلام، وهذا الحكم باق على اعتباره حتى اليوم من غير نسخ (46). وقد ظهر مما تقدم أن الآية (يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة...) جواب عن قولهم: (لا نراك إلا بشرا مثلنا...) ويظهر بذلك فساد قول البعض إنه جواب عن قولهم: (بل نظنكم كاذبين) أو قول آخرين إنه جواب: (ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا) أو غير ذلك (47).
لقد أقام نوح عليه السلام الحجة عليهم من أول يوم في بعثته. ولكن الذين كفروا لم يكن عندهم استعداد للوقوف في مجرى الرحمة الإلهية، والوقوف في مهب النفحات الربانية، لهذا لم ينفعهم ما يشاهدونه من آيات الله. وما يسمعون من مواعظ نوح. وما تلقنه لهم فطرتهم من الحجة والبينة. لقد نظروا بعيون العناد وفكروا بعقول الاستكبار، ثم طالبوا نوحا أن يثبت لهم أنه مبعوث إليهم. وكيف السبيل إلى ذلك وهم نزلوا بأسماعهم وبأبصارهم وبطونهم المنزلة التي في الأنعام. واستعملوها فيما تستعملها فيه الأنعام وهو التمتع من لذائذ البطن والفرج. ومنزلة الأنعام التي نزلوا إليها أرفع منهم وأقوم، لأن الأنعام مهتدية بحسب تركيبها وخلقها. غير ضالة لأنها تسير على الطريق الذي خلقت لأجله.
أما هؤلاء فقد قطعوا شوطا طويلا في عالم الضلال والغفلة وألقوا بإنسانيتهم في أسفل سافلين. وكل هذا من أجل حفنة من زخرف الحياة. لونها لهم الشيطان وغواهم بها.
2 - الدفاع عن الإنسان:
لقد اتهموا نوحا عليه السلام بأنه يريد بدعوته أن يتفضل عليهم ويترأس فيهم وينال هو وأتباعه ما بأيديهم من أموال وثروات، فكان جوابه على هذا:

(46) الميزان: 207 / 10.
(47) الميزان: 207 / 10.
(٤٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 40 41 42 43 44 45 46 47 48 49 50 ... » »»
الفهرست