الانحراف ويخبرهم أنه يخاف عليهم عذاب يوم أليم. فهو أنذرهم قبل أن يأتيهم العذاب الأليم. وعندما عصوا وعاندوا، أنذرهم بأن العذاب الأليم ينحصر في يوم أليم. وهو يخاف عليهم من هذا اليوم الذي وصفه الله بأنه أليم. فإذا كان هذا هو حال اليوم. فكيف يكون حال الذين يعيشون فيه يقول تعالى: (ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم) (13) قال المفسرون: دعاهم إلى توحيد الله بتخويفهم من العذاب. وإنما كان يخوفهم لأنهم كانوا يعبدون الأوثان خوفا من سخطهم. فقابلهم نوح عليه السلام بأن الله سبحانه هو الذي خلقهم. ودبر شؤون حياتهم. وأمور معاشهم بخلق السماوات والأرض. وإشراق الشمس والقمر وإنزال الأمطار وإثبات الأرض وإنشاء الجنات وشق الأنهار. وإذا كان كذلك. كان الله سبحانه هو ربهم لا رب سواه، فليخافوا عذابه، وليعبدوه وحده. وبعد أن دعاهم عليه السلام إلى توحيد الله، خوفهم من عذاب يوم وصف بأنه أليم (14). والمراد بعذاب يوم أليم.
عذاب الاستئصال. ونسبة الإيلام إلى اليوم دون العذاب من قبيل وصف الظرف بصفة المظروف. ونزول العذاب على الكفار والمستكبرين. مسألة حقيقية يقينية، فإن من النواميس الكلية الجارية في الكون لزوم خضوع الضعيف للقوي. والمتأثر المقهور للمؤثر القاهر. فما قولك في الله الواحد القهار الذي إليه مصير الأمور. وقد أبدع الله سبحانه أجزاء الكون. وربط بعضها ببعض. ثم أجرى الحوادث على نظام الأسباب. وعلى ذلك يجري كل شئ في نظام وجوده فلو انحرف أي جزء عن خطه المحدد له.. أدى ذلك إلى اختلال نظام الأسباب. وكان ذلك منازعة منه لها. وعند ذلك تنتهض سائر الأسباب الكونية من أجزاء الوجود لتعديل أمره وإرجاعه إلى خط يلائمها. وهي بذلك في مقام من يدفع الشر عن نفسه. فإن استقام هذا الجزء المنحرف على خطه المخطوط له فهو، وإلا حطمته حاطمات الأسباب ونازلات النوائب والبلايا. وهذا أيضا من النواميس الكلية. والإنسان الذي هو أحد أجزاء الكون له في حياته خط خطه له الصنع والإيجاد، فإن سلكه هداه إلى سعادته. ووافق بذلك سائر أجزاء الكون،