2 - تحقير أتباع الرسول:
وفقا لفقه (ما نراك وما نرى) الذي وضع قواعده كفار قوم نوح في بداية المسيرة البشرية، وبعد أن قالوا لنوح عليه السلام: (ما نراك إلا بشر مثلنا) انتقلوا إلى أتباعه الذين آمنوا برسالته وقالوا: (وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين) (29): قال المفسرون: الرذل أي الخسيس الحقير من كل شئ (30) لقد قالوا له ما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا كالباعة والحاكة وأشباههم، ولم يتبعك الأشراف ولا الرؤساء منا، ثم هؤلاء الذين اتبعوك، لم يكن عن ترو منهم ولا فكر ولا نظر بل بمجرد ما دعوتهم أجابوك، ولهذا قالوا. (بادي الرأي) (31) لقد نظروا إلى أتباع نوح عليه السلام. بمنظار الطبقة المملوءة الجيوب المنتفخة الأفخاخ والبطون.
ثم قالوا بعد أن فرغوا من تحقير أتباع نوح: (وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين) أي أن دعوتكم لنا ونحن عندنا ما نتمتع به من مزايا الحياة الدنيا كالمال والبنين والقوة. إنما تستقيم لو كان لكم شئ من الفضل تفضلون به علينا من زينة الحياة الدنيا أو علم من الغيب، حتى يوجب ذلك خضوعا منا لكم.
ونحن لا نرى شيئا من ذلك عندكم، ودعوتكم هذه مع حالكم هذا، تجعلنا نظن بأنكم كاذبون فيما تقولوه لنا، وأنكم في الحقيقة لا تريدون إلا نيل ما بأيدينا من أموال وثروات. والاستعلاء علينا بالحكم والرئاسة (32).
وهكذا اتهموا نوحا عليه السلام بالتآمر عليهم عندما قالوا: (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) (33) واتهموه هو وأتباعه بنفس التهمة عندما قالوا: (وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين) (34) إن الشذوذ والانحراف في قانونهم نظام، قاعدة وغيره استثناء، ومن يقترب من القاعدة بماء نظيف فهو خارج عن القانون، لقد اتهموا الدعوة بأنها دعوة الجياع الذين يريدون