الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٣٨
لا يناله إلا واحد منهم فقط ثم يدعيه من غير شاهد يشهد عليه؟ وعلى هذا فلم يبق إلا أنه يريد بهذه الدعوة أن يتفضل عليكم، ويترأس فيكم، ويؤيد هذا أنه يدعوكم إلى اتباعه وطاعته. وقولهم: (ولو شاء الله لأنزل ملائكة) محصله:
أن الله سبحانه لو شاء أن يدعونا بدعوة غيبية.. لاختار لذلك الملائكة الذين هم مقربون عنده والروابط بيننا وبينه فأرسلهم إلينا.. لا بشر ممن لا نسبة بينه وبينه.
وقولهم: (ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين) محصله: أنه لو كانت دعوته حقة، لاتفق لها نظير فيما سلف من تاريخ الإنسانية، وآباؤنا كانوا أفضل منا وأعقل، ولم ينقل عنهم ما يناظر هذه الدعوة، وعلى هذا فليست هذه الدعوة إلا بدعة وأحدوثة كاذبة وقولهم: (إن هو إلا رجل به جنة) الجنة إما مصدر، أي به جنون، أو مفرد الجن، أي حل به من الجن من يتكلم على لسانه لأنه يدعي ما لا يقبله العقل السليم. ويقول ما لا يقوله إلا مصاب في عقله فتربصوا وانتظروا به إلى حين ما. لعله يفيق من حالة جنونه أو يموت فنستريح منه (25) وكما رموه بالجنة رموه أيضا بالضلالة ليصرفوا عنه وجوه الناس ويغرونهم عليه ويمدون في ضلالهم قال تعالى: (قال الملأ من قومه إنا لنراك في ضلال مبين * قال يا قوم ليس بي ضلالة ولكني رسول من رب العالمين * أبلغكم رسالات ربي وأنصح لكم وأعلم من الله ما لا تعلمون * أوعجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون) (26).
قال المفسرون: الملأ هم أشراف القوم وخواصهم. سموا به لأنهم يملأون القلوب هيبة والعيون جمالا وزينة. ولقد رموا نوحا عليه السلام بالضلال المبين. لأنهم لم يكونوا ليتوقعوا أن معترضا يعترض عليهم بالدعوة إلى رفض آلهتهم. وتوجيه العبادة إلى الله سبحانه بالرسالة والإنذار. فعندما فعل نوح ذلك واقتحم عالمهم بدعوته تعجبوا من ذلك وأكدوا لعامتهم ضلالته. ولقد رد عليهم بقوله: (قال يا قوم ليس بي ضلالة) أجابهم بنفي الضلال عن نفسه. وأنه رسول من الله سبحانه. وذكره بوصفه " رب العالمين " ليجمع له سبحانه الربوبية كلها. قبال تقسيمهم إياها بين آلهتهم بتخصيص كل منها بشئ من شؤونها

(25) الميزان: 29 / 15.
(26) سورة الأعراف، الآيات: 60 - 63.
(٣٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 33 34 35 36 37 38 39 40 41 42 43 ... » »»
الفهرست