الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٤٠٤
منتظرون " (277) ولقد أجمع المفسرون على أن يوم الفتح في هذه الآية لم يحدث في الماضي وإنما هو في بطن الغيب (278).
سابعا. الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في مكة:
ظل معسكر الانحراف يكيد للدعوة بكل قواه. ولم يعرقل كيدهم سير الدعوة. بل ظلت تفيض عليهم بالحجج التي تدعو إلى الإيمان. كانت الدعوة في جميع مراحلها تحمل كلمة الإخلاص وتعلن أن دين الله لا إكراه فيه. فمن رضي بالإسلام دينا فله ما للمسلمين وعليه ما عليهم. ومن رفض هذا الدين وأغلق عليه بابه ولم يصد عن سبيل الله فبينه وبين سيوف الإسلام حاجزا. فإن تعدى هذا الحاجز فلا يلومن إلا نفسه. لم تكن الدعوة في أي يوم من أيامها تحمل أحقادا ولقد سجل التاريخ أن الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم عفا يوم فتح مكة عن أصحاب الجرائم الكبيرة في حق الإسلام والمسلمين ومن هؤلاء أبو سفيان بن حرب الذي قاد العديد من المعارك ضد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. ومنهم زوجته هند بنت عتبة التي شاركت يوم أحد في قتل حمزة بن عبد المطلب عم رسول الله ولم تكتف بقتله وإنما أكلت كبده. ومنهم وحشي قاتل حمزة جاء إلى النبي يطلب الأمان فأجابه لذلك. وروي أنه لم ينظر إلى وجهه.
ومنهم كعب بن زهير وكان شاعرا يهجو النبي وعند فتح مكة خرج هاربا منها.
وأخيرا عفا عنه النبي. وغير هؤلاء الكثير. وروي أن الرسول صلى عليه وآله وسلم قال لقريش يوم فتح مكة: (يا معشر قريش إن الله أذهب نخوة الجاهلية وتعظمها بالآباء. الناس لآدم وآدم من تراب. ثم تلا قوله تعالى:! يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أقربكم عند الله أتقاكم " (279) ووجه حديثه إلى المكيين وسألهم. ماذا ترون أني فاعل بكم وما تظنون؟ قالوا: أخ كريم وابن أخ كريم وقد قدرت وأصبح أمرنا بيدك. فقال إني أقول لكم ما قاله أخي يوسف لا تثريب عليكم اليوم يغفر الله لكم وهو أرحم

(277) سورة السجدة، الآيات: 28 - 0 3.
(278) راجع كتابنا المسيح الدجال قراءة سياسية في أصول الديانات الكبرى.
(279) سورة الحجرات، الآية 130.
(٤٠٤)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 399 400 401 402 403 404 405 406 407 408 409 ... » »»
الفهرست