يكون الرسول إليهم ملك من الملائكة. وهذا ضد سنة الخلق لأن الملائكة إذا نزلت فإنما تنزل على ملائكة يقول تعالى: (قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا) (23) ولأن الشيطان يعلم أن معيشة الملائكة بين الناس لا تستقيم مع حركة الكون. دق ضرورة وجودهم في عقول أتباعه حتى بقطع الطريق على دعوة الرسل عليهم السلام، فوقف أتباعه على امتداد التاريخ يقولون بأنهم يسيطرون على المجتمع، ولهم الكلمة العليا فيه، والذين يدعون أنهم رسلا من الله لا يملكون الصلاحيات التي تؤهلهم لذلك له لأنهم أولا يماثلونهم في البشرية ولأنهم ثانيا لا يملكون ما يمتلكوه هم. وثالثا أنهم لا يستطيعون قهرهم على عبادة الله. وعلى هذا فإذا كان لا بد من رسول.
فيجب أن يكون ملكا من الملائكة يفوقهم في كل شئ وتكون له اليد العليا عليهم.. وبالجملة طالبوا بمن يقهرهم على عبادة الله. وهذا الطلب في حد ذاته ضد سنة الله في خلقه. إذ لا إجبار في دين الله منذ خلق الله آدم عليه السلام، حتى يرث الله الأرض.. إن دين الله لا إجبار فيه لأن الله غني عن العالمين.
لقد قالوا لنوح عليه السلام:! ما نراك إلا بشر مثلنا، أي أنك مثلنا في البشرية. ولو كنت رسولا إلينا لم تكن كذلك ولم يقف الكفار عند هذا الحد، بل وجهوا إلى نوح عليه السلام سيل من الجرائم من بينها التآمر عليهم كما اتهموه عليه السلام بأن به جنة يقول تعالى: (فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم ولو شاء الله لأنزل ملائكة ما سمعنا بهذا في آبائنا الأولين * إن هو إلا رجل به جنة فتربصوا به حتى حين) (24) قال المفسرون: السباق يدل على أن الملأ كانوا يخاطبون عامة الناس لصرف وجوههم عنه وإغرائهم عليه وتحريضهم على إيذائه وإسكاته. وقولهم: (ما هذا إلا بشر مثلكم يريد أن يتفضل عليكم) محصله.. أنه بشر مثلكم فلو كان صادقا فيما يدعيه من الوحي والاتصال بالغيب.. كان نظير ما يدعيه متحققا فيكم، إذ لا تنقصون منه في شئ من البشرية ولوازمها. وبما أنه يدعي ما ليس فيكم فهو كاذب، وكيف يمكن أن يكون هناك كمالا في وسع البشر أن يناله. ثم