الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٦٢
وبنو إسرائيل الذين يرفعون لافتة التفضيل على العالمين. قالوا لمحمد رسول الله قاله فرعون لموسى عليه السلام لقد وصف فرعون آيات موسى بالسحر. وبنو إسرائيل لم يفعلوا أكثر من هذا. يقول تعالى: (وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين) (18) قال المفسرون: ملخص دعوة عيسى عليه السلام (أني رسول الله إليكم) أشار بهذا إلى أنه لا شأن له إلا أنه حامل رسالة من الله إليهم، ثم بين متن ما أرسل إليهم لأجل تبليغه في رسالته بقوله. (مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول...) فقوله: (مصدقا لما بين يدي من التوراة) بيان أن دعوته لا تغاير دين التوراة. ولا تناقض شريعتها بل تصدقها، ولم تنسخ من أحكامها إلا يسيرا. والنسخ بيان انتهاء أمر الحكم وليس بإبطال. ولذا جمع عليه السلام بين تصديق التوراة ونسخ بعض أحكامها في قوله: (ومصدقا لما بين يدي من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم) (19) ولم يبين لهم إلا بعض ما يختلفون فيه كما في قوله. (قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون) (20).
وقوله: (ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد) إشارة إلى الشطر الثاني من رسالته عليه السلام. وقد أشار إلى الشطر الأول بقوله: (مصدقا لما بين يدي من التوراة) ومن المعلوم أن البشرى هي الخبر الذي يسر المبشر ويفرحه، ولا يكون إلا بشئ من الخير يوافيه ويعود إليه، والخير المترقب من بعثة النبي ودعوته. هو انفتاح باب الرحمة الإلهية على الناس، فيه سعادة دنياهم وعقباهم، من عقيدة حقة أو عمل صالح أو كليهما... فماذا فعل بنو إسرائيل في الرسول الذي بعثه الله ليحل لهم بعض الذي حرم عليهم وبين لهم بعض ما يختلفون فيه؟ وماذا كان موقفهم من النبي أحمد صلى الله عليه وآله الذي بشر به عيسى والذي يجدونه مكتوبا عند هم في التوراة والإنجيل؟ لقد كان موقفهم من

(18) سورة الصف، الآية: 6.
(19) سورة آل عمران، الآية 50.
(20) سورة الزخرف، الآية: 63.
(٢٦٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 257 258 259 260 261 262 263 264 265 266 267 ... » »»
الفهرست