الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٦٧
تركوا وما يهونه من الإعتقاد والعمل فعبدوا الأصنام واتخذوا الأرباب واقترفوا ما أرادوه من الفحشاء والمنكر والفساد. جاز أن يتبعهم الحق في غير ذلك من الخليقة والنظام الذي يجري فيها بالحق. فيعطي كل واحد منهم ما يشتهيه من جريان النظام، ولا يكون ذلك إلا بتغيير أجزاء الكون عما هي عليه، فتبدل العلل والأسباب، وتغير الروابط المنتظمة إلى روابط جزافية مختلة متدافعة، توافق مقتضياتها مجازفات أهوائهم. وفي هذا فساد السماوات والأرض ومن فيهن، واختلال النظام، وانتفاض القوانين الجارية في الكون، لأنه من البين أن الهوى لا يقف على حد ولا يستقر على قرار.
وقديما عقرت ثمود الناقة، وكانت الناقة ترشد هم إلى الطريق الحق، فعندما تغوص ثمود في أوحال الذنوب تشرب الناقة من الماء الكثير ولا تترك لهم إلا القليل، كما تأكل من العشب مثل ذلك، وعندما يخرجوا من أوحال الذنوب لا تشرب الناقة ولا تأكل إلا القليل، كانت الناقة تفعل وصالح عليه السلام يترجم.
لكنهم أبوا إلا الأوحال وأرادوا أن توافق حركة الناقة أفعالهم التي تمليها أهواءهم ولأن الحق لا يتبع الأهواء.. عقروها، ولأن الأنبياء لم يأتوا بني إسرائيل إه بما لا تهوى أنفسهم قتلوهم، فأي فرق بين ثمود وبين بني إسرائيل؟ لقد قتلوا زكريا ويحيى وقالوا: (إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله) (32) لقد شاهدوا معجزاته الباهرات التي كان يبرئ بها الأكمه والأبرص ويحيي الموتى بإذن الله ويصور من الطين طائرا ثم ينفخ فيه فيكون طائرا يشاهد طيرانه بإذن الله إلى غير ذلك من المعجزات التي أكرمه الله بها، وأجراها على يديه، ومع هذا كذبوه!
وخالفوه! وسعوا في أذاه بكل ما أمكنهم! حتى جعل نبي الله عيسى عليه السلام لا يساكنهم في بلدة بل يكثر السياحة هو وأمه عليهما السلام. ولم يتركوه في سياحته فعملوا على حصاره، وعندما شرعوا في الهجوم عليه، رفعه الله إليه، وألقى الله شبه عيسى على آخر. فلما رأوا شبيهه ظنوه إياه فألقوا القبض عليه وصلبوه.
إن حركة ثمود لم تمت. بل تجددت ولبست أكثر من ثوب ذواعا عن الأهواء، بعد أن فقد القوم روح الطاعة والسمع لرسل الله. وبعد أن استقرت

(32) سورة النساء، الآية: 157.
(٢٦٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 272 ... » »»
الفهرست