الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٥٧
وربك فقاتلا إنا ها هنا قاعدون * قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين) (5). لقد طالبهم رسولهم بالقتال، والإنسان ذو الفطرة النقية يحب الاستشهاد تحت قيادة نبي الله ورسوله. ولكن القوم لم يرتفعوا إلى هذا الفهم نظرا لأنهم لا يعنون بما وراء الحس إلا اعتناء تشريفيا من غير أصالة ولا حقيقة، ومن أجل هذا قاموا بأعمال تثبت أنهم أكثر أمم الأرض لجاجا وخصاما وأبعدهم عن الانقياد للحق، لأنهم يتمادون في الجهالة والضلالة ولا يأبون عن أنواع الظلم وإن عظمت، وعن نقض المواثيق وإن غلظت. والقرآن الكريم سجل لهم العديد من مواقف الكفر والجحود وبأنهم كفروا النعمة وفرقوا الكلمة واختلفوا في الحق، ولم يكن اختلافهم عن عذر الجهل، وإنما اختلفوا عن علم. وشعب بني إسرائيل لم يعبد كله العجل. ولا كلهم عصوا الأنبياء ولا كلهم قتلوا الأنبياء إلى غير ذلك من معاصيهم، وإنما نسبت المعاصي إلى الكل رغم أنها صادرة عن البعض، لكونهم جامعة ذات قومية واحدة يرضى بعضهم بفعل بعض، وينسب فعل بعضهم إلى الآخرين. لمكان الوحدة الموجودة فيهم، وكما رأينا قبل ذلك أن الذي عقر ناقة صالح كان فردا واحدا ولكن الله تعالى نسب عملية العقر إلى ثمود كلها لأنهم قومية واحدة يرضى بعضهم بفعل بعض.
* 1 - بصمات الانحراف على وجه شعب إسرائيل:
لقد فضل الله تعالى بني إسرائيل على العالمين، لأن فيهم أنبياء بني إسرائيل، فوجود النبوة هو العمود الفقري للتفضيل وليس وجود الشعب، قال تعالى: (وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم * ووهبنا له إسحاق ويعقوب كلا هدينا ونوحا هدينا من قبل ومن ذريته داوود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين * وزكريا ويحيى وعيسى وإلياس كل من الصالحين * وإسماعيل واليسع ويونس ولوطا وكلا فضلنا على العالمين * ومن آبائهم وذرياتهم وإخوانهم واجتبيناهم وهديناهم إلى صراط مستقيم * ذلك هدى الله يهدي به من يشاء من عباده ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) (6) قال المفسرون:

(5) سورة المائدة، الآيتان: 24 - 25.
(6) سورة الأنعام، الآيات: 83 - 88.
(٢٥٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 250 251 253 255 256 257 258 259 260 261 262 ... » »»
الفهرست