الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ٢٦٦
قال المفسرون: يذكر تعالى أنه أخذ العهود والمواثيق على بني إسرائيل على السمع والطاعة لله ولرسله، فنقضوا تلك العهود والمواثيق، واتبعوا آراءهم وأهواءهم وقد موها على الشرائع، فما وافقهم منها قبلوه وما خالفهم ردوه (30) وعلى هذا كلما جاءهم رسول بما لا تهوى أنفسهم أساؤوا مواجهته وإجابته وجعلوا الرسل المبعوثين فيهم فريقين: فريقا كذبوا وفريقا يقتلون، وقد ظنوا أن لا يصيبهم سوء أو لا يفتنون بما فعلوا، فأعمى ذلك الظن والحسبان أبصارهم عن إبصار الحق! وأصم ذلك آذانهم من سماع ما ينفعهم من دعوة أنبيائهم!
واليهود قتلوا زكريا ويحيى عليهما السلام. وكان الله قادرا على منعهم من قتلهما، كما كان سبحانه قادرا على منع ثمود من عقر الناقة، ولكن كل شئ يجري لهدف ومن وراء هذا الهدف حكمة! فزكريا ويحيى وعيسى عليهم السلام هم آخر أنبياء الشجرة الإسرائيلية. ومن عدل الله سبحانه أنه جعل سد منافذ الهدى يأتي على أيدي الظالمين، ليكون رفضهم للهدى هو عين إقامة الحجة عليهم بأنهم قد جاءهم من الله هدى. وقتل بني إسرائيل لأنبياء الله، يدل على أن القوم اتسعوا في الانحراف والشذوذ، ومعنى رفضهم للهدى من أجل المحافظة على الانحراف، أنهم باختيارهم خرجوا من دائرة التفضيل على العالمين، لكونهم شعب غير جدير بالجندية تحت قيادة أنبياء الله. باختصار لم يظلمهم الله، فهم الذين قتلوا الأنبياء وهم الذين قفزوا خارج دائرة التفضيل، ولأن قيادة البشرية ليست حكرا على أحد، فقد جاء الله تعالى بالذين يتولون قيادة المسيرة من بعد شعب بني إسرائيل الذي تفرغ للكيد وا الظلم والفساد. وبني إسرائيل كان عمدتهم في قتل الأنبياء وتكذيبهم، أنهم! يجدون عندهم ما تهوى أنفسهم.
بمعنى أنهم يريدون أن يتبع الحق أهواءهم!! وهذا ضد حركة الوجود لقوله تعالى: (ولو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن) (31) قال المفسرون: إن الذين يكرهون الحق. إنما يكرهونه لمخالفته هواهم. فهم يريدون من الحق أن يتبع أهواءهم وهذا مما لا يكون، إذ لو اتبع الحق أهواءهم.

(30) ابن كثير 80 / 2.
(31) سورة المؤمنون، الآية: 71.
(٢٦٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 261 262 263 264 265 266 267 268 269 270 271 ... » »»
الفهرست