الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٩٢
بدأ بعصر الأسرة الثالثة وامتد حتى نهاية عصر الأسرة السادسة (2778 - 2423 ق. م تقريبا) وقام بدق وتد الشذوذ وادعى بنوته للإله (رع). وهذا الادعاء الذي سهرت عليه ثقافة الدولة. كان حجر عثرة في وجه كل رسول يأتي من قبل الله تعالى، فكيف يستمع الناس لبشر رسول، وعلى رأسهم نصف إله يحكم ويملك يضرب ويقتل؟ وبعد أن سن خفرع سنته، تلقفها كل من حكم مصر من الغرباء، لمعرفتهم مدى تغلغل هذه الثقافة في أعماق الشعب. فالفراعنة ذوو الأصل الأثيوبي أو الليبي الذين حكموا مصر ادعوا أنهم أبناء آلهة (21). وحكام البطالمة ومن قبلهم الإسكندر ادعوا أنهم أبناء آلهة. حتى كليوباترا عندما أنجبت ولدها قيصر الذي سماه أهل الإسكندرية قيصرون، من عشيقها يوليوس قيصر، أعلنت على الملأ بأن الإله آمون جاءها في صورة يوليوس قيصر وضاجعها فأنجبت قيصر الصغير (22)، ومن هذا الباب ركب قيصر عرش الفراعنة، لأن القوم لا يعنيهم سوى أن تكون في عروقه يجري دماء الآلهة.
إن لافتة الحق الإلهي التي رفعها الجبابرة، ابن شرعي لفقه الرفض الذي بدأه الشيطان يوم رفض السجود لآدم عليه السلام، ثم رعاه بعد طرده إلى الأرض. ببث ثقافة التحقير والانتقاص لكل بشر اختاره الله لحمل رسالته إلى الناس، ففقه الرفض الذي بدأ يوما بمقولة (خلقتني من نار وخلقته من طين)، تطور فيما بعد وقام بتصنيف الناس فمنهم الأشراف ومنهم الأراذل. والأشراف هم أصحاب الفضل. وشرط اعترافهم بالرسول أن يكون من الملائكة ويمتلك ما لا يمتلكون، ثم تطور فقه الرفض فاعترف ببشرية الرسول على أيام صالح عليه السلام بشرط أن يكونوا جميعا رسلا. فبما أنهم يماثلون الرسول في بشريته فلا مانع من أن يدعوا ما يدعيه، ثم تطور هذا الفقه في عهد الفراعنة. فرفع فرد مهدت له ثقافة، ليتحدث باسم آلهة الجوع والخوف والدجل والأهواء، ثم تطور فيما بعد ليصبح داخل كل فرد فرعون صغير! إنه عالم الأهواء، وما الله بغافل عما يعمل الظالمون.

(21) المصدر السابق.
(22) تاريخ مصر في عهد البطالمة / وإبراهيم نصحي: 26 / 2.
(١٩٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 187 188 189 190 191 192 193 194 195 196 197 ... » »»
الفهرست