الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٨١
عذاب من السماء وما طلبوه مبني على التعجيز والاستهزاء. وما طلبوه أول الزمان طلبه كفار قريش من النبي الخاتم صلى الله عليه وآله وسلم فيما بعد (وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا - إلى أن قالوا - أو تسقط السماء - كما زعمت - علينا كسفا أو تأتي بالله والملائكة قبيلا) (42) لقد اختصر أصحاب الأيكة الطريق. وذهبوا ليأكلوا الأموال. ويشيعوا في الأرض الفساد. وعندما طالبوا شعيبا عليه السلام بالعذاب (قال ربي أعلم بما تعملون) وهو كناية عن أنه ليس له من الأمر شئ وإنما الأمر إلى الله. لأنه أعلم بما يعملون. وأن عملهم هل يستوجب عذابا؟ وما هو العذاب الذي يستوجبه إذا استوجب؟ فهو كقول هود لقومه: (إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به) (43).
* 6 - لهيب تحت الظلال:
داخل الأعشاش كان أصحاب الأيكة يتمتعون بالظل والظلال، كانت خيامهم أشجارا مورقة، والطريق إلى منازلهم مفروشة بالزهور المتفتحة. إذا وقف أحدهم على مرتفع وقف تحت الظلال، وإذا نظر من حوله رأى ممتلكاته التي تبشره بجني ثمر جديد، يدر عليه ربحا جديدا، ولم يكن يدور بخلد أحدهم أن الأخطار تترصده، لأن هذا النوع من الناس ضيق الأفق محدود التفكير ولا يرى الأمور إلا من وجهة نظر واحدة ختمها هواه، لقد انتقل أصحاب الأيكة بين الأزهار والثمار والأشجار والأنهار، وكان كل شئ حولهم يوحي لهم بالاطمئنان.
فالمنطقة تفيض بالخير لينعموا هم بالرخاء، وكل منهم يعتقد بأنه يسلك الطريق الصحيح لامتصاص الأقوات والأرزاق وحبات العرق. ويوم الظلة جاءهم العذاب من حيث لا يشعرون يقول تعالى: (فأخذهم عذاب يوم الظلة إنه كان عذاب يوم عظيم) (44).
قال المفسرون: يوم الظلة.. يوم عذبوا فيه بظلة من الغمام، وروي أنه يوم حر وسمائم. وهذا من جنس ما سألوه من إسقاط الكسف عليهم، فإن الله

(42) سورة الإسراء، الآيات: 90 - 92.
(43) سورة الأحقاف، الآية: 23.
(44) سورة الشعراء، الآية: 189.
(١٨١)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 187 ... » »»
الفهرست