الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٩٠
* 1 - أضواء على الفرعونية:
في الظاهر أن الباطل هو الذي يطارد الحق، ولكن الحقيقة تخالف ذلك، والدليل يكمن في نتيجة المطاردة، من انتصر على من؟ إن الباطل مهما طالت أيامه وكثر جنده واشتد ساعده، مطارد والذي يطارده هو الله، ولا بقاء لشئ يطارده الله (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق) (19) إن الباطل طارئ لا أصالة فيه، أما الحق فهو أصيل في الوجود، والحق لا يخفى بأي وجه وعلى أي تقدير وهو من أبده البديهيات، وليس في الوجود أي محبوب أو مطلوب أعز وأشرف وأغلى من الحق، لهذا فالحق هو الذي يطارد الباطل، ودائما وأبدا تكون نهاية هذه المطاردة أن الحق هو المنتصر في الدنيا ظاهرا وباطنا. لقد كان كفار قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط وقوم شعيب وفرعون وقومه. في خندق الباطل. فماذا كانت عاقبة المفسدين الذين ملأوا القلوب رعبا، والنفوس دهشة، وخربوا الديار، ونهبوا الأموال، وسفكوا الدماء، وأفنوا الجموع.
واستعبدوا العباد وأذلوا الرقاب، لقد مهلهم الله في عتوهم واعتدائهم، حتى إذا بلغوا أوج قدرتهم. واستووا على أريكة شوكتهم وغرتهم الدنيا بزينتها، واجتذبتهم الشهوات إلى خلاعتها، واشتغلوا بملاهي الحياة والعيش. واتخذوا إلههم هواهم، جاءتهم الضربة القاصمة، فلم يبق منهم إلا أسماء إن لم تنس، ولم يتبق من هيمنتهم إلا أحاديث!
وفرعون قصة من قصص الجبابرة، جاءت قصته بعد أن قص الله قصة شعيب مع قومه، ولقد توفر للدولة الفرعونية كل أسباب القوة، من نيل يفيض بالماء على أرض خصبة، إلى سواعد فتية ترفع الأحجار وتحفر في الصخور، لقد توفر للدولة المناخ والطبيعة والإنسان. وهذه نعم من الله يجب الشكر عليها، ولكن الفرعونية أمسكت بسمع وبصر القوم، فتلاشى القوم ولم يظهر إلا فرعون!
1 - الفرعونية:
بعث الله تعالى إدريس عليه السلام إلى مصر بعد الطوفان - فيما ذكره البعض - وأقام في مدينة منف. وبعد أن أقام الحجة على القوم في بداية الطريق

(19) سورة الأنبياء، الآية: 18.
(١٩٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 184 185 187 188 189 190 191 192 193 194 195 ... » »»
الفهرست