الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٨٠
قال المفسرون: الأيكة الغيضة الملتف شجرها. قيل: إنها كانت غيضة بقرب مدين يسكنها طائفة وكانوا ممن بعث إليهم شعيب عليه السلام. وكان أجنبيا منهم. ولقد أمرهم بتقوى الله. وبين أنه رسول من عند الله. أمين على ما حملته من الرسالة، لا أبلغكم إلا ما أمرني ربي وأراده منكم، ولذا فرع عليه قوله: (فاتقوا الله وأطيعون) فأمرهم بطاعته لأن طاعته طاعة لله، ثم نفى سؤال الأجر لنفي الطمع الدنيوي، وأثبت أن أجره على الله رب العالمين، ثم أمرهم بالعدل في الأخذ والإعطاء بالكيل والوزن، وأن لا يبخسوا الناس سلعهم وأمتعتهم، وأن لا يفسدوا إفسادا في الأرض. ثم أمرهم أن يتقوا الله الذي خلقهم وآباءهم الأولين. الذين فطرهم وقرر في جبلتهم تقبيح الفساد والاعتراف بشؤمه.
لقد خاطبهم في صدر خطابه لهم، كما خاطب هود وصالح عليهما السلام الجبابرة في قومهما، أمرهم بالتقوى ونفي الأجر حتى لا يتهموه ثم أمرهم بما يستقيم مع الفطرة.. فماذا كان ردهم؟ يقول تعالى: (قالوا إنما أنت من المسحرين * وما أنت إلا بشر مثلنا وإن نظنك لمن الكاذبين * فأسقط علينا كسفا من السماء إن كنت من الصادقين * قال ربي أعلم بما تعملون) (40).
قال المفسرون: يخبر تعالى عن جوابهم له بمثل ما أجابت به ثمود لرسولها، تشابهت قلوبهم حيث قالوا: (إنما أنت من المسحرين) (41) وبعد ذلك فجروا قضيتهم التي وضع الشيطان بذورها، وقال بها كل مترف مستكبر متكبر عال في الأرض، لقد خاطبوه بعيونهم، حيث شاهدوا من حولهم حدائقهم وعبيدهم وتجارتهم التي تجوب الجزيرة والشام وتأتي إليهم بالمال الوفير، في الوقت الذي لا يمتلك هو وأتباعه ما يعلوهم ويقهرهم. لقد خاطبوه وفقا لفقه الأعمى الذي لا ينظر إلى الوجود بعيون الفطرة، وإنما ينظر إليها وفقا لأعمدة فقه الزينة والإغواء، ولقد اختصر أصحاب الأيكة الطريق، فبعد أن اتهموه بالكذب، طالبوه بالعذاب إن كان من الصادقين، وحددوا العذاب الذي يريدون (فأسقط علينا كسفا من السماء) أي أسقط علينا قطعا من السماء. وقيل:

(40) سورة الشعراء، الآيات: 185 - 188.
(41) ابن كثير: 346 / 3.
(١٨٠)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 175 176 177 178 179 180 181 182 183 184 185 ... » »»
الفهرست