الحياة الدنيا، فيستعبد القوي الضعيف في مرحلة، ويعبد الضعيف القوي في مرحلة أخرى، إن سرقة الأقوات بكل صورها هي التي ساعدت على قيام الأوثان على الأرض وفقا لسرقات كل عصر، فهناك عصر سرق الإنسان بأي صورة من الصور وباعه في أسواق العبيد! فأدى هذا إلى شرخ في الجدار الإنساني. ترتب عليه سخرة في مكان واستكبار واستعلاء في مكان آخر، وفي عصر آخر قام الاستكبار بوضع أصنامه ومن حولها جيوش عالم السخرة للدفاع عنها. وفي عصر ثالث قام لصوص الأقوات بنقص الكيل والميزان. كي يتسع عالم السخرة، وبدلا من وضع قيود الحديد في رقاب العبيد قديما. وضعوا بدلا منها قيود الديون وبقيود الديون يقف الجميع أمام الصنم الجديد الذي فرضه اللصوص الجدد. إن نقص المكيال والميزان يخضع لفقه الأهواء ولا يشيع إلا الجوع. جوع في القمة يتفنن كل يوم في نقص جديد، وجوع في القاع اضطربت معيشته، وفي عالم المعيشة الضنك يتحول الجميع إلى ذئاب آدمية، الكل ضد الكل. ومدين قامت بوضع وتد من أوتاد الشذوذ، وقامت بنصب خيمة، تحتها وضع قانون لا يقل خطورة عن قانون رفض بشرية الرسول، الذي اعتنى به آباؤهم الأوائل في عاد وثمود، فرفض البشرية تحقير للإنسان وابتعاد به عن منارات الهدى، ونقص المكيال والميزان تحقير للإنسان وإلقاء به في عالم المادة والأوثان، ولأن مدين دارت في عكس دوران الفطرة جاءها العقاب يقول تعالى: (فأخذتهم الرجفة فأصبحوا في دارهم جاثمين) (33) وقال تعالى: (ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين * كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود) (34).
وهم في دارهم أخذتهم الرجفة فوقعوا على وجوههم، وهم في ديارهم أخذتهم الصيحة فوقعوا على وجوههم.
والرجفة: الاضطراب الشديد. والجثوم في المكان: القعود فيه أو البروك على الأرض. وهو كناية عن الموت. والمعنى: أخذهم الاضطراب الشديد أو الزلزلة الشديدة فأصبحوا في دارهم ميتين لا حراك بهم. لقد ضربتهم الرجفة