الغناء. وتوابعها الكثيرة: المياه والأهوار والأشجار. ولقد ذكر بعضهم أن الأيكة هي مدين، ولكن خالف العديد أصحاب هذا الرأي، ومنهم قتادة وغيره من الذين ذهبوا إلى أن أصحاب الأيكة أمة أخرى غير أهل مدين (38). والذين قالوا بأن الأيكة غير مدين أصابوا..
أولا: لأنهم استندوا إلى أحاديث أما غيرهم فلم يستند إلا على رأيه.
وثانيا: أنهم استندوا على عذاب الأيكة الذي خالف عذاب مدين من حيث نوعه. فمدين ضربت بالرجفة والصيحة، والأيكة ضربت بعذاب الظلة، واستندوا على كتاب الله، فالله تعالى نسب شعيبا إلى مدين ولم ينسبه إلى الأيكة، ثم إن هناك ملامح طرد وهجرة لأتباع شعيب من مدين في كتاب الله.
فربما أن تكون مقدمة شعيب قد وصلت الأيكة ثم تحرك ركب الإيمان إليهم بعد أن عم التدمير مدين كلها. وأخيرا لقد فجر أصحاب الأيكة قضية رفض البشر الرسول وهو الذي لم يحدث في مدين، وليس معنى هذا أن مدين كانت تعترف ببشرية الرسول، فمدين عبدوا الأصنام وتصرفوا وفقا لأهوائهم، ولكنهم لم يفجروا هذه القضية لأنهم لم يملكوا مؤهلاتها فالقضية لا تفجر إلا في مجتمع مترف. وأصحاب الأيكة امتلكوا الأيكة، وكان من عندهم يتدفق النهر الذي تحمل أمواجه الزخرف، ومدين ما هي إلا موجة من أمواجهم، أراد شعيب عليه السلام أن يطهرهم وبهم يطهر ما حولهم. لكنهم أبوا إلا العذاب، فأصبحوا في ديارهم جاثمين، ودخل شعيب والذين آمنوا معه الأيكة ليبدأوا معها الطريق الذي بدأوه مع مدين. يقول تعالى:
(كذب أصحاب الأيكة المرسلين * إذ قال لهم شعيب ألا تتقون * إني لكم رسول أمين * فاتقوا الله وأطيعون * وما أسألكم عليه من أجر إن أجري إلا على رب العالمين * أوفوا الكيل ولا تكونوا من المخسرين * وزنوا بالقسطاس المستقيم * ولا تبخسوا الناص أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين * واتقوا الذي خلقكم والجبلة الأولين) (39).