الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٧٥
قومه لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون) (27).
قال المفسرون: لم يسترشد الملأ المستكبرون من قومه. بما أرشدهم إليه من الصبر وانتظار الحكم الفصل في ذلك من الله سبحانه. بل بادروا بتهديده وتهديد المؤمنين بإخراجهم من أرضهم. إلا أن يرجعوا إلى ملتهم بالارتداد عن دين التوحيد. وفي تأكيدهم القول (لنخرجنك) بالقسم ونون التأكيد. دلالة على قطعهم العزم على ذلك. ولذا بادر عليه السلام بعد استماع هذا القول منهم إلى الاستفتاح من الله سبحانه.. فعندما بلغ الكلام هذا المبلغ. وأخبر الذين كفروا طائفة الحق بعزمهم على أحد أمرين: الإخراج، أو العودة إلى ملتهم..
أخبرهم شعيب عليه السلام بالعزم القاطع على عدم العودة إلى ملتهم والتجأ إلى ربه واستفتح بقوله عن نفسه وعن المؤمنين: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) سأل ربه أن يفتح بين شعيب والمؤمنين به، وبين المشركين من قومه، وهو الحكم الفاصل، فإن الفتح بين شيئين، يستلزم إبعاد كل منهما عن صاحبه، حتى لا يماس هذا ذاك، ولا ذاك هذا (28).
وبعد أن استفتح شعيب من الله تعالى، تمادى الذين كفروا من قومه، فتوجهوا بأشد التهديد إلى الذين آمنوا، وقالوا لهم: (لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون) فهذا تهديد منهم لمن آمن بشعيب، أو أراد أن يؤمن به وفقا لخطة الصد عن سبيل الله التي نهاهم شعيب عنها من قبل، وقال المفسرون: ويحتمل أن يكون قولهم: (لئن اتبعتم) الاتباع بمعناه الظاهر. وهو اقتفاء أثر الماشي على الطريق، والسالك السبيل. بأن يكون الملأ المستكبرون لما اضطروه ومن معه إلى أحد الأمرين: الخروج من أرضهم أو العودة في ملتهم، ثم سمعوه يرد عليهم العودة إلى ملتهم ردا قاطعا. ثم يدعو بمثل قوله: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق..) لم يشكوا أنه سيتركهم ويهاجر إلى أرض غير أرضهم، ويتبعه في هذه المهاجرة المؤمنون به من القوم، خاطبوا عند ذلك طائفة المؤمنين بقولهم: (لئن اتبعتم شعيبا إنكم إذا لخاسرون) فهددوهم وخوفوهم بالخسران

(27) سورة الأعراف، الآيات: 88 - 90.
(28) الميزان: 192 / 8.
(١٧٥)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 170 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 ... » »»
الفهرست