الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٧٦
إن تبعوه في الخروج من أرضهم، ليخرج شعيب وحده (29).
وهذا التفسير الأخير بما يكون الأقرب لفهم بعث شعيب عليه السلام إلى أصحاب الأيكة. بمعنى أنه عليه السلام كانت له مقدمة بأي صورة من الصور إلى مكان خارج مدين. وبما أن خطابه كان فيما بعد للأيكة، فإن الأيكة هي المرشحة لأن تكون هذا المكان، وقد توجه إليها بالدعوة بعد أن فصل الله بينه وبين مدين والله تعالى أعلم.
وخلاصة القول: أن الاستكبار وضع قافلة الإيمان بين (فكي كماشة) كما يقولون. إما الخروج وإما العودة إلى ملتهم، أما قافلة الأيمان فقد وضعت الاستكبار تحت قانون الاستفتاح (على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) لقد وضعوا الاستكبار تحت قوة لا طاقة لهم بها، فشعيب عليه السلام يعرف مصدر القوة، وملجأ الأمان، ويعلم أن ربه تعالى هو الذي يفصل بالحق بين الإيمان والطغيان. ولقد قال لهم وهو يقيم عليهم الحجة في أول الطريق: (ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا إني معكم رقيب) (30) ثم قال لهم في وسط الطريق: (فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحكمين) (31) ثم دعا ربه في نهاية الطريق: (ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين) (32) لقد كان شعيب عليه السلام يتوكل على ربه وحده في خوض المعركة المفروضة عليه وعلى المؤمنين معه، والتي ليس منها مضر، إلا بفتح من ربه ونصر.
* - وجاء الفتح:
لقد دار أهل مدين في اتجاه عكسي لدوران الكون! خالفوا الفطرة، ونصروا الهوى وأشاعوا الفساد في الأرض. إن نقص المكيال والميزان سرقة للأرزاق، وسرقة الأقوات مقدمة يستغلها الشيطان من أجل التشكيك في الرزاق، وبالتشكيك يربط بين ضعاف الإيمان وبين المستكبرين الذين في سعة من زخرف

(29) الميزان: 193 / 8.
(30) سورة هود، الآية: 93.
(31) سورة الأعراف، الآية: 87.
(32) سورة الأعراف، الآية: 89.
(١٧٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 171 172 173 174 175 176 177 178 179 180 181 ... » »»
الفهرست