ببينة ربه التي تثبت صدق رسالته، ثم دفع ذاكرتهم إلى الوراء حيث قوم نوح وقوم هود وقوم صالح وقوم لوط. لقد وضعهم بين البينة وبين العقاب لعلهم يعيدوا التفكير على أسس صحيحة. (قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربي ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب * ويا قوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صالح وما قوم لوط منكم ببعيد * واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود) (17) قال المفسرون: المراد بكونه على بينة من ربه. كونه على آية بينة. وهي آية النبوة والمعجزة الدالة على صدق النبي في دعوى النبوة، والمراد بكونه رزق من الله رزقا حسنا: أن الله آتاه من لدنه وحي النبوة، المشتمل على أصول المعارف والشرائع، والمعنى: أخبروني إن كنت رسولا من الله إليكم، وخصني بوحي المعارف والشرائع وأيدني بآية بينة تدل على صدق دعواي، فهل أنا سفيه في رأيي؟ وهل ما أدعوكم إليه دعوة سفهية؟ وهل في ذلك تحكم مني عليكم أو سلب مني لحريتكم؟ فإنما هو الله المالك لكل شئ، ولستم بأحرار بالنسبة إليه، بل أنتم عباده، يأمركم بما شاء وله الحكم وإليه ترجعون (18).
لقد رفض بيانهم ما سمعوه من شعيب. عندما دعاهم إلى ترك عبادة الأصنام والتطفيف. بحجة أن الدعوة مخالفة لما هم عليه من الحرية التي تسوغ لهم أن يعبدوا من شاؤوا ويفعلوا في أموالهم ما شاؤوا، فبين لهم شعيب أنهم ليسوا بأحرار بالنسبة إلى الله هم عبيد. وأخبرهم: بأن الذي يدعوهم إليه ليس من قبل نفسه. حتى ينافي مسألتهم ذلك حريتهم. ويبطل به استقلالهم في الشعور والإرادة. بل هو رسول من ربهم إليهم، وله على ذلك آية بينة. والذي آتاهم به من عند الله الذي يملكهم ويملك كل شئ، وهم عباده لا حرية لهم قباله، ولا خيرة لهم فيما يريده منهم، ثم ذكر لهم أنه يريد إصلاح مجتمعهم بالعلم النافع والعمل الصالح على مقدار ما له من الاستطاعة التي يوفقه الله تعالى