الإيمان. بكل ما يستطيعون من قوة واحتيال، فنهاهم عن ذلك، ووصاهم أن يذكروا نعمة الله عليهم، ويعتبروا بالنظر إلى ما يعلمونه من تاريخ الأمم الغابرة، وما آل إليه أمر المفسدين من عاقبة أمرهم. ثم دعاهم (رابعا): إلى الصبر على تقدير وقوع الاختلاف بينهم بالإيمان والكفر، فإنه كان يوصيهم جميعا قبل هذه الوصية. بالاجتماع على الإيمان بالله والعمل الصالح، وكأنه أحس منهم أن ذلك مما لا يكون البتة، وأن الاختلاف كائن لا محالة. وأن الملأ المستكبرين من قومه، وهم الذين كانوا يوعدون ويصدون عن سبيل الله، سيأخذون في إفساد الأرض وإيذاء المؤمنين ويوجب ذلك في المؤمنين وهن عزيمتهم، وتسلط الناس على قلوبهم. فأمرهم جميعا بالصبر. وانتظار أمر الله فيهم ليحكم بينهم وهو خير الحاكمين، فإن في ذلك صلاح المجتمع، أما المؤمنون فلا يقعون في اليأس من الحياة الآمنة. والاضطراب والحيرة من جهة دينهم، وأما الكفار فلا يقعون في ندامة الإقدام من غير رؤية. ومفسدة المظلمة على جهالة، فحكم الله خير فاصل بين الطائفتين. فهو خير الحاكمين لا يساهل في حكم إذا حان حينه، ولا يجور في حكم إذا ما حكم (26).
2 - أنياب طابور الانحراف:
دعاهم شعيب عليه السلام إلى التوحيد. ثم دعاهم ثانيا إلى الكف عن الإفساد في الأرض (ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها) ثم دعاهم ثالثا إلى ترك التعرض لصراط الله المستقيم (ولا تقعدوا بكل صراط توعدون وتصدون عن سبيل الله من آمن) ودعاهم رابعا إلى الصبر حتى يحكم الله بين معسكر الإيمان ومعسكر الكفر (فاصبروا حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحكمين) فماذا كان رد القوم عليه؟ يقول تعالى: (قال الملأ الذين استكبروا من قومه لنخرجنك يا شعيب والذين آمنوا معك من قريتنا أو لتعودن في ملتنا قال أو لو كنا كارهين * قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذ نجانا الله منها وما يكون لنا أن نعود فيها إلا أن يشاء الله ربنا وسع ربنا كل شئ علما على الله توكلنا ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين * وقال الملأ الذين كفروا من