(قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز) قال صاحب الميزان: لما حاجهم شعيب عليه السلام، وأعياهم بحجته لم يجدوا سبيلا دون أن يقطعوا عليه كلامه من غير طريق الحجة فذكروا له أولا: أن كثيرا مما يقوله غير مفهوم لهم، فيذهب كلامه لغي لا أثر له، وهذا كناية عن أنه يتكلم بما لا فائدة فيه. ثم عقبوه بقولهم: (وإنا لنراك فينا ضعيفا) أي لا نفهم ما تقول، ولست قويا فينا حتى تضطرنا قوتك على الاجتهاد في فهم كلامك والاهتمام بأخذه، والسمع والقبول له، فإنا لا نراك فينا إلا ضعيفا لا يعبأ بأمره ولا يلتفت إلى قوله، ثم هددوه بقولهم: (ولولا رهطك لرجمناك) أي ولولا هذا النفر القليل، الذين هم عشيرتك لرجمناك، لكنا نراعي جانبهم فيك، وفي تقليل العشيرة إيماء إلى أنهم لو أرادوا قتله يوما قتلوه من غير أن يبالوا بعشيرته، وإنما كفهم عن قتله نوع احترام وتكريم منهم لعشيرته. ثم عقبوه بقولهم: (وما أنت علينا بعزيز) تأكيدا لقولهم: (لولا رهطك لرجمناك) أي لست بقوي منيع جانبا علينا، حتى يمنعنا ذلك من قتلك بشر القتل، فإنما يمنعنا رعاية جانب رهطك، فمحصل قولهم إهانة شعيب، وأنهم لا يعبأون به ولا بما قال، وإنما يراعون في ترك التعرض له جانب رهطه (22).
لقد قال لهم إنه على بينة من ربه، وإنه يريد إصلاحهم كي ينالوا السعادة في الدنيا والآخرة، ثم ذكرهم بالأمم السابقة الذين كذبوا رسل الله وما حل بهم من عذاب، ثم دعاهم إلى الاستغفار والتوبة، فكان الرد عليه بلادة في الفهم وحجر في اليد، رفعوا الحجر أمام الكلمة، ولماذا لا يرفعون الحجر؟ إن الساحة من حولهم تعج باللصوص، والأشرار يحومون في كل مكان، والجميع على استعداد لحمل الحجارة ويلقون بها على كل من حاول أن يهدي إلى الحق، لأن الحق الذي يعرفونه هو الذي مسمره الشيطان على جسر الانحراف الذي عبروا عليه إلى عالم الصم البكم العمي الذين لا يفقهون، وعندما واجهوا شعيبا عليه السلام هذه المواجهة، رد عليه السلام: (قال يا قوم رهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربي بما تعملون محيط * ويا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كاذب وارتقبوا