مدين. فأرسل الله إليهم شعيبا وكان من أشرفهم نسبا ولهذا قال (أخاهم شعيبا) (10) فأمرهم شعيب عليه السلام بعبادة الله وحده لا شريك له ناهيا لهم عن الأوثان التي افتروها واختلقوا لها أسماء الآلهة. ثم خصص نقص المكيال والميزان من بين معاصيهم بالذكر، دلالة على شيوعه بينهم وإقبالهم عليه، وإفراطهم فيه. بحيث ظهر فساده وبان سئ أثره. فأوجب ذلك شدة اهتمام به من داعي الحق. فدعاهم إلى تركه بتخصيصه بالذكر من بين المعاصي. ثم قال لهم: (إني أراكم بخير) أي أشاهدكم في خير. وهو ما أنعم الله تعالى عليكم من المال، وسعة الرزق والرخص والخصب. فلا حاجة لكم إلى نقص المكيال والميزان، واختلاس القليل اليسير من أشياء الناس. طمعا في ذلك من غير سبيله المشروع وظلما وعتوا، وعلى هذا فقوله: (إني أراكم بخير) تعليل لقوله (ولا تنقصوا المكيال والميزان).
ويمكن تعميم الخير. بأن يراد به، أنكم مشمولون لعناية الله، معنيون بنعمه، آتاكم عقلا ورشدا ورزقكم رزقا، فلا مسوغ لأن تعبدوا الآلهة من دونه وتشركوا به غيره. وأن تفسدوا في الأرض بنقص المكيال والميزان، وعلى هذا يكون تعليلا لما تقدمه من قوله: (اعبدوا الله) إلخ وقوله: (ولا تنقصوا) إلخ. فمحصل قوله: (إني أراكم) إلى آخر الآية: أن هناك رادعين يجب أن يردعاكم عن معصية الله:
أحدهما: أنكم في خير ولا حاجة لكم إلى بخس أموال الناس من غير سبيل حلها.
وثانيهما: أن وراء مخالفة أمر الله يوما محيطا يخاف عذابه، ومعنى كون اليوم - وهو يوم العذاب - محيطا.. أنه لا مخرج منه ولا مفر ولا ملاذ من دون الله، فلا يدفع فيه ناصر ولا معين، ولا ينفع فيه توبة (11)، وبعد أن أنار عليه السلام لهم الطريق بمشعل الهداية، قال: (يا قوم أوفوا المكيال والميزان ولا تبخسوا الناس أشياءهم) لقد دعاهم أولا في صدر حديثه إلى الصلاح بالنهي عن