الانحرافات الكبرى - سعيد أيوب - الصفحة ١٢٨
المشركين) (8) كان عليه السلام على دين لم يكن عليه أحد غيره، كان أمة وحده، عاش في طفولته في معزل عن مجتمع قومه، ثم خرج إليهم فوجدهم يعبدون الأصنام. فلم يرض منهم ذلك، وبدأ عليه السلام يحاج أباه في عبادته الأصنام، ويدعوه إلى رفضها وتوحيد الله سبحانه، ولم يزل يحاجه ويلح عليه حتى طرده وأوعده أن يرجحه إن لم ينته عن ذكر آلهته بسوء، ولم يكتف برفض الأصنام في حدود البيت، وإنما كان يحاج القوم في أمر الأصنام كما جاء في سورة الأنبياء والشعراء والصافات. ويحاج أقواما آخرين منهم، يعبدون الشمس والقمر والكواكب. وشاع خبر إبراهيم في الانحراف عن الأصنام والآلهة، حتى خرج القوم ذات يوم إلى عبادة جامعة خارج البلد، واعتل هو بالسقم فلم يخرج معهم وتخلف عنهم، فدخل بيت الأصنام. وانطلق على آلهتهم ضربا باليمين. حتى جعلهم جذاذا، إلا كبير لهم لعلهم يرجعون إليه، فلما عاد القوم وعلموا بما حدث بآلهتهم وفتشوا عمن ارتكب ذلك، قال بعضهم: سمعنا فتى يذكر الناس يقال له إبراهيم، فأحضروه إلى مجمعهم، وأتوا به على مشهد من الناس وبدأوا يسألوه.. فقالوا: أأنت فعلت هذا بآلهتنا يا إبراهيم؟ قال: بل فعله كبيرهم هذا فاسألوهم إن كانوا ينطقون. وقد كان أبقى كبير الأصنام ولم يجذه ووضع الفأس على عاتقه أو ما يقرب من ذلك ليشهد الحال على أنه هو الذي كسر سائر الأصنام، وهو عليه السلام قال ذلك وهو يعلم أنهم لا يصدقونه على ذلك، لأنهم يعلمون أنه جماد، لكنه قال ما قال حتى يعترفوا بصريح القول بأن آلهتهم جمادات لا حياة لهم ولا شعور، ولذلك لما سمعوا قوله، رجعوا إلى أنفسهم فقالوا: إنكم أنتم الظالمون، ثم نكسوا على، رؤوسهم. لقد علمت ما هؤلاء ينطقون. قال: أفتعبدون من دون الله ما لا يضركم ولا ينفعكم. أف لكم ولما تعبدون من دون الله أفلا تعقلون؟ أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون؟
وأقام الحجة الدامغة انطلق أصحاب الأدمغة الفارغة. فقالوا: حرقوه وانصروا آلهتكم! فبنوا له بنيانا. وأسعروا فيه النار، ثم ألقوه فيها، فجعلها الله بردا عليه وسلاما، وأبطل كيدهم. كما جاء في سورة الأنبياء والصافات، وقد تصدى عليه السلام خلال هذه الأيام لملك البلاد وكان يعبده القوم ويتخذونه ربا! فحاج

(8) سورة النحل، الآية: 12.
(١٢٨)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 122 123 125 126 127 128 129 130 131 132 133 ... » »»
الفهرست