2 - الدعوة:
كان قوم لوط أهل لهو ولغو وفساد ودجل وباطل. فلقد خلعوا جلباب الحياء فكانوا لا يخجلون من فعل القبيح الذي تأباه البهائم وتنفر منه جميع النفوس البشرية من سابق ولاحق، وكانوا لا يستحي بعضهم من بعض أن يأتي بأفظع المنكرات، فيجتمع كبيرهم وصغيرهم والأب والابن والسيد والعبد منهم على نكاح الرجل الغريب واللواط به، ولو في محضر نسائهم وبناتهم. ويتعاقبون الآخر بعد من سبقه.. ولقد بعث فيهم لوط عليه السلام بعد أن اهتدى بهدى إبراهيم وتبعه في هجرته ثم افترقا ليعملا بما فرضه الله تعالى عليهما من نشر الفضائل ونصح الناس وإرشادهم وتبليغهم التكاليف، وكان لوط عليه السلام غاية في الكرم واستمساك بالزمام ورعاية بالجار والنزيل، فقد بالغ في جهاد الملحدين ودفع أذاهم، وكان قومه إذا وفد إليهم أحد من الناس وثبوا إليه ليفضحوه ويسلبوا ماله. فكان عليه السلام يحجز بينهم ويدافعهم ويمنعهم عنه. ويحذر الوافد سوء معاملتهم حتى لقي منهم ما لقي من التهديد والأذى ولم يكن له فيهم من ناصر، وكان من أشد الناس إليه أذى: زوجته، فكانت هي عينا لقومها على زوجها، فكانت كافرة، ولم تؤمن بالله ولا برسوله، فلذلك أهلكها الله تعالى معهم وأصابها ما أصابهم (14).
وفي هذا الانحراف الساقط ووسط هذا الشذوذ الذي يحيط به الدنس والعار من كل اتجاه، أطلق لوط عليه السلام صيحاته محذرا، ولكن بجاحة الشهوة لا سمع لها ولا بصر ولا فؤاد، لقد دار القوم ضد حركة الكون وخرجوا على كل ما فيه. لقد خلق الله الذكر والأنثى. وجهز كل صنف من الصنفين بأعضاء وأدوات ومن يتأمل في صنع الله، وإلقائه تعالى غريزة الشهوة في كل منهما والجمع بينهما بالنكاح. يعلم أن الحكمة من وراء ذلك هي التناسل الحافظ لبقاء النوع حتى حين، فالرجل مخلوق للمرأة لا لرجل مثله، والمرأة مخلوقة للرجل لا لامرأة مثلها، والنظرة الإنسانية تهدي إلى ازدواج الرجال بالنساء دون الرجال. وازدواج النساء بالرجال دون النساء، ولكن القوم أقاموا جدرا داخل نفوسهم فلم يتدبروا.
وأقاموا أسوارا عالية من السحب الداكنة السوداء حول الفطرة فلم يسمحوا لشعاع